المئات من سكان حي التنك الفقير يتأثرون بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية القاسية التي تسحق لبنان والتي أدت إلى موجة كبيرة من الاحتجاجات.
 
 يواجه قاطنو حي التنك (الصفيح) في مدينة طرابلس شمال لبنان أوضاعا اقتصادية جد صعبة، ازدادت سوءا خلال الأشهر الأخيرة، على وقع الأزمة السياسية في البلاد واستمرار الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بكنس كل الطبقة الحاكمة التي يحمّلها المحتجون المسؤولية عن ما وصل إليه الوضع الاقتصادي في لبنان.
 
وعلى غرار معظم أبناء هذا الحي الفقير يتغلغل اليأس إلى أعماق نادر محيو (28 عاما) الذي يسكن تحت سقف من الصاج لا يكاد يقي من حرارة الشمس صيفا ولا من تسرّب المطر والبرد شتاء، ولم يعد أمام هذا الشاب من سبيل سوى الدعاء والتضرّع إلى الله للخروج من هذا الحي والانتقال إلى مكان أفضل مع أطفاله.
 
ويقول نادر محيو “أتمنى كل يوم، وأقول يارب يطلِعني من هذه الحال. من أجل أطفالي وليس من أجلي، لأن هدول (هؤلاء) الأطفال بيمرضوا، من رطوبة، برد، كل شيء، ما فيه شيء لتحسين الوضع لهم”.
 
ويخشى سائق النقل العام من أنه قد يُضطر ذات يوم لطلاق زوجته وتشريد أطفاله الثلاثة الذين يكافح من أجل توفير حياة كريمة لهم.
 
ومحيو واحد من مئات يسكنون حي الفقراء ويتأثرون بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية القاسية التي تسحق لبنان، والتي أدت إلى موجة كبيرة من الاحتجاجات.

ويبلغ دخل محيو نحو 15 ألف ليرة لبنانية (نحو 10 دولارات) في اليوم، وهو مبلغ ضئيل للغاية بحيث لا يمكنه من إرسال ابنتيه إلى المدرسة. وحول سبب بناء منزله المؤقت على أرض مملوكة للدولة يقول إنه ليس لديه مكان آخر يلجأ إليه.

ويذكر تقرير للبنك الدولي صدر في العام 2017 أن شمال لبنان، بما فيه مدينة طرابلس من بين “أكثر المناطق ضعفا وتهميشا في البلاد”. ويقدّر التقرير معدل الفقر في المنطقة بما يصل إلى 36 في المئة، أي أعلى من المعدل على المستوى الوطني الذي يناهز نحو 27 في المئة.

وقال نادر محيو “إن شاء الله يا رب، الله يغير هؤلاء الحكام (السلطة)، ويأتوننا بأشخاص تقدرنا وتحترم المواطنين اللبنانيين بهذا البلد، ما بدنا (لا نريد) أكثر، بدنا (نريد) نقدر نعيش بكرامة ما أكثر.. بدنا نأكل ونشرب ونعيش ونعيّش ها الأطفال”. وحي “التنك” من أفقر الأحياء في لبنان، ويقع في منطقة الميناء وهو قريب من شاطىء مدينة طرابلس، وتسكنه العائلات اللبنانية المعدمة منذ عشرات السنين وهو عبارة عن تجمع لغرف بعضها مسقف بألواح الأترميت (ألواح أسمنتية مموجة) وبعضها الآخر مصنوع وبشكل كامل من التنك (نوع من ألواح الحديد الهش).

ومثل محيو يسكن القلق رجل آخر من سكان الحي يدعى سامي خالد العوف (43 عاما)، الذي يخشى خاصة على مستقبل أطفاله. ويوضح العوف أنه يعيش منذ ست سنوات تحت سطح من الصفيح تتسرب منه مياه المطر. وبأجر أسبوعي قدره 100 ألف ليرة لبنانية (نحو 66 دولارا)، لا يستطيع العوف تغطية نفقات أطفاله الثلاثة، لا سيما وبينهم طفل يحتاج علاجا طبيا.

وقال العوف “أتمنى أن تتغير هذه الدولة، ويتغير كل شيء بقلبها. يحطوا لنا ناس نضاف، تقدر تحس بالمواطن، إذا مرض ابنه إذا دخل على المستشفى لا أحد يعترضه على الباب، يكحشه (يطرده)، ما يطلب منه مصاري (أموال) قبل ما يفوته يموت على الباب”.

وأضاف “الطبابة (العلاج الطبي) والمعيشة، وهذه الشغلات، هذا أكثر شيء بيخنقك. أن تلاقي ابنك يطلب طلب وتقول له ما عندي، أو ما فيني (أستطيع) أجيب لك إياه. الواد ما بيعرف، ولدي بيعرف إنه شاف شغلة استحلاها بده إياها. الأب بيظل حارقة قلبه”.

ويسعى لبنان، الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990، لتشكيل حكومة جديدة منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 أكتوبر استجابة للاحتجاجات ضد النخبة الحاكمة التي ينظر المحتجون لها باعتبارها فاسدة وغير مؤهلة.

وخلال الاحتجاجات، يحتشد المتظاهرون ليلا في طرابلس، في ما يشبه مهرجانا للموسيقى الإلكترونية. وأصبحت هذه التجمعات طقسا لنحو نصف مليون شخص من سكان المدينة ذات الأغلبية السُنية. وعادة ما يحتشد المحتجون في ساحة النور الرئيسية بها.

ويقول سكان طرابلس إن قدرتهم على جذب حشود كبيرة متحمسة تشجع المحتجين الآخرين في أنحاء لبنان على الحفاظ على قوة الدفع للاحتجاجات.