تداعيات اغتيال مسؤول فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ستلحق لبنان في ركب الدول التي تعيش أزمات متتالية، وتبقى بانتظار الشفقة الدولية في تقديم المساعدات.
 

لا يزال لبنان كما المنطقة يترقّب ردة الفعل على الضربة الموجعة التي وجهتها واشنطن لطهران باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فالأوراق خُلطت في السياسة كما في الأمن، والصورة الضبابية ستحتاج الى فترة قبل ان تتضح أقلّه حتى حصول الرد الإيراني.
لبنانياً  كان هناك ترقب لكلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وما ستتضمنه من مواقف على المستوى الإقليمي، بعد الحدث الذي يملي مستوى معّين من الخطاب والذي يتوقع ان يرسل مؤشرات مهمة حول المرحلة المقبلة داخلياً. وفي هذا السياق، أكدت مصادر الثنائي الشيعي أن لا تغيير في موقف حزب الله وحركة أمل في الملف الحكومي، لا بل هناك إصرار على استعجال تشكيل الحكومة أكثر من أي وقت مضى بعد اغتيال قاسم سليماني، وهم من جهتهم أزالوا كل العراقيل التي كانت تعيق مهمة التأليف.
كل الكلام الذي كانت القوى العاملة على خطّ تشكيل الحكومة، توحي من خلالها أنها تعمل على تشكيل حكومة مستقلة مؤلفة من إ ختصاصيين يمثلون تطلعات اللبنانيين المنتفضين، كانت مجرد أوهام، أو عمليات ذر للرماد في العيون لتقطيع الوقت وتشتيت التظاهرات والعودة إلى اللعبة السياسية المعلبة التي تريد من خلالها قوى العهد الإنتقام من كل الأفرقاء. 
أولاً لن تضم الحكومة العتيدة أي ممثل للمتظاهرين اللبنانيين، وثانياً لن تضم شخصيات مستقلة، إنما كل الشخصيات التي تقدّم على أنها من الإختصاصيين ليست إلا لمحسوبين على القوى الحزبية والسياسية.

اقرا ايضا : السلطة تبحث عن مصالحها والناس تبحث عن وطن


 
إنها حكومة إعادة إنتاج السلطة ذاتها، وربما سلطة مشابهة لما كانت عليه أيام الوصاية السورية وعهد إميل لحود. ربما تشبه حكومة الرئيس عمر كرامي التي تألفت قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتأكيد أن التداعيات السياسية ستكون مشابهة لها. إنه النهج الذي سلكه العهد منذ توليه السلطة باستعادة رموز زمن الوصاية وتوليتهم مواقع في الدولة، حتى أن الممارسة السياسية لم تكن مختلفة أبداً عن عصر ما قبل العام 2005.
وربما البركة التي أخذتها الحكومة قبيل ولادتها، كانت برسالة التهنئة التي تلقاها الرئيس ميشال عون من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهي تدلّ على أن ما يجري حالياً في لبنان، ليس فقط التفافاً على الإنتفاضة ومحاولة لتطويقها وشرذمتها وإنهائها بعد إختراقها، بل حتى ما يجري هو إنقلاب على التوازنات والثوابت السياسية، والذهاب إلى تشكيل حكومة اللون الواحد، مع فارق أن أصحابها لا يدعون ذلك إنما يقدمونها بلبوس حكومة الإختصاصيين المستقلين، فيما حقيقتها في مكان آخر. وهذا الإنقلاب بحد ذاته سيمثل الإنقلاب الأكبر على إتفاق الطائف والدستور والذهاب إلى إرساء قواعد جديدة.
طبعاً ستسقط هذه الحكومة بحال تشكلت وحازت على الثقة، في ظل ما يحكى عن حرص على الميثاقية اللبنانية، خاصة أنه يتم تهميش العديد من المكونات، فالموقف السني رافض لها ولا يمنحها الغطاء، وحتى التعاطي مع الحصة الدرزية بغض النظر عن التفاصيل والحسابات السياسية، يشير إلى تهميش الدروز ومحاولة للإنقضاض على موقعهم، كما أن هذه التشكيلة تهمّش قوى سياسية أخرى وتختزل الجانب المسيحي بطرف واحد.
ستفتح الحكومة صفحة سياسية جديدة، والمرحلة ستكون للسياسة ولن تكون للإنهماك إلى الحلول الإقتصادية والمعيشية، هي لن تكون قادرة على ذلك، بل إنها في ضوء تداعيات اغتيال مسؤول فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ستلحق لبنان في ركب الدول التي تعيش أزمات متتالية، وتبقى بانتظار الشفقة الدولية في تقديم المساعدات أو مدّها بالأوكسيجين للبقاء على قيد الحياة ولكن لا قدرة على الحركة أو السير. ستكون حكومة اللون الواحد، والإنقلاب على اللبنانيين ومطالبهم، وتكريس لبنان دولة في محور لا على خط التوازن. 
مصادر مطلعة على مسار التأليف أشارت إلى ان اجتماع الرئيس المكلف حسان دياب بالوزير جبران باسيل لم يكن ناجحاً، في ظل الاملاءات التي حاول باسيل فرضها على دياب بذريعة انه يملك التكتل النيابي الأكبر الذي سيمنح الثقة للحكومة في مجلس النواب، فيما الحقيقة أنه يستند إلى تأثيره على توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم التشكيل. لكن المصادر نقلت عن دياب إصراره ان "يتم الاحتكام لرئيس الجمهورية حيث ستكون الكلمة الفصل".
وفيما أفادت المعلومات ان الحكومة باتت في مرحلة اللمسات الاخيرة، لفتت المصادر الى ان ما يجري هو عبارة عن تحسين شروط في ربع الساعة الاخير ما بين باسيل ودياب ومحاولة فرض بعض الاسماء وتعديلات على توزيع الحقائب.
 وقد سأل مراقبون عما اذا كان سينعكس هذا التباين القائم بين دياب وباسيل في مرحلة التأليف على ما بعد ولادة الحكومة؟ وهل سيكون هناك توجهان داخل مجلس الوزراء؟ وكشف المراقبون أن كل ما يجري في الساعات الاخيرة قبل ولادة الحكومة هو محاولة من الوزير باسيل للحصول على الثلث المعطل ليضمن سيطرته على اللعبة الحكومية وعلى مصير القرارات على طاولة مجلس الوزراء، الأمر الذي يشكل دليلا اضافيا على ان الحكومة المقبلة ستكون من حيث الشكل فقط حكومة اختصاصيين الا ان الكلمة الفصل فيها وفي قراراتها واجراءاتها للفريق السياسي الذي أوصلها.