ايران فهمت جيدا هذه الرسالة الدموية القاسية، وبالتالي فهي أمام خيارين لا ثالث لهما.
 

لا يختلف اثنان أن إقدام الولايات المتحدة على قتل اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وبشكل مباشر والتصريح عن العملية وتبنيها بدون أي حراجة، هي بمثابة تحول كبير واستراتيجي ليس بالمعنى التقني للعملية، وإنما بسبب القرار المتخذ والافصاح عنه وما يحمله من أبعاد تتخطى استهداف الشخص إلى استهداف الدور والمهمة التي كانت موكلة لسليماني، 
بمعنى آخر، فإن استهداف سليماني الذي لعب على مدار أكثر من عشرين عاما دور المسؤول الأول لما يعرف بايران بملف تصدير الثورة، هذا الملف الذي يعتبر من أهم وأكبر وأخطر الملفات الايرانية، وهو الذي وسم العلاقات الايرانية مع جيرانها أولا ومع كل دول وشعوب المنطقة ثانيا بالعدائية والتدخل وتمدد النفوذ على حساب الاستقرار والامن الاقليمي، تحت نظرية تقول بأن الدفاع عن النظام الايراني يكون أولا وأخيرا خارج الاراضي الايرانية.
 
لا شك أن سليماني نجح إلى حد كبير، بتوسيع النفوذ الايراني وجعل منها دولة اقليمية لها نفوذها في أكثر من دولة وهذا كان محل تفاخر واعتزاز للنظام الايراني ولا يخفي مسؤوليه تبجحهم بسيطرتهم على أكثر من عاصمة عربية! وبالتالي فإن استهداف سليماني وقتله يعني من وجهة نظر الادارة الاميركية أن هذا الدور الايراني بالمنطقة لم يعد مسموحا، ولا دور إقليمي بعد الآن لهذا النظام، هذا القرار الاميركي الذي لطالما صرحوا به وطلبوه من الايرانيين، جاءت اللحظة لفرضه عليهم بالقوة من خلال دماء سليماني.

إقرأ ايضاً : الجحش ... وأحزاب السلطة 

 

 

ايران فهمت جيدا هذه الرسالة الدموية القاسية، وبالتالي فهي أمام خيارين لا ثالثة لهما، إما القبول بهذا الواقع الجديد وتخليها طوعا عن مكتسبات كلفت النظام الكثير الكثير من التضحيات ومليارات الدولارات على مدار عقود، وإما الدخول بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وهذا يعني خسارة كل شيء ونهاية هذا النظام.

أما الحديث عن رد من هنا أو هناك بالاساليب القديمة من خلال الاذرع والاحزاب التابعة لها فلا محل لها في هذا اللحظة، لسببين الاول هو التصريح الاميركي عن اعتبار أن أي اعتداء يصيب مصالحها ستتحمل هي مسؤوليته وبالتالي فلا جدوى منه، وثانيا فإن أي رد يوازي حجم الخسارة يعني حتما الدخول بالحرب التي تتجنبه ايران ولا تريده بسبب الخلل الكبير بموازين القوى وعليه فإن "الرد" الحقيقي، هو أقرب إلى المستحيل.
 
يبقى السؤال الاهم بالنسبة الينا، هو انعكاس هذا الحدث الجلل على الساحة اللبنانية ونحن على ابواب تشكيل حكومة جديدة، لينبري هنا السؤال الذي لم يكن واضحا قبل أيام وبعد تكليف حسان دياب، هل يستطيع حزب الله الاستمرار بحكومة مواجهة من لون واحد؟؟؟ وما يمكن أن يعكسه ذلك على لبنان وعلى أزمته الاقتصادية بفعل هكذا حكومة في ظل التصعيد الذي نشهده، وحتى لو افترضنا أن حزب الله لا يمانع من إدخال لبنان في ساحة المواجهة من خلال حكومته المفترضة، فهل الرئيس المكلف وهو القادم من الجامعة الاميركية ويقدم نفسه كمستقل اولا، وكشخصية قيل أنه مرضي عنه اميركيا وروّج يوم تكليفه بأنه نتاج تفاهمات إيرانية أميركية ! فهل سوف يستمر الآن ويحمل على عاتقه لعب دور حليف حزب الله بوجه اميركا ؟؟؟ أم أن الاعتذار عن التشكيل صار هو المرجح؟