تبادل الإيرانيون والأميركان رسائل قصف أو تحريك عناصر الحشد الشعبي لمهاجمة مبنى السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء المحصنة، من دون أن يكون للحكومة العراقية قدرة السيطرة على الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
 
وفيما انصاع المئات من أنصار الحشد الشعبي، لتحذيرات أميركية شديدة وانسحبوا من أمام السفارة في بغداد الأربعاء بموجب قرار من قيادته، نبهت موجة السخرية الشعبية من التظاهرة التي نظمتها الميليشيات الموالية لإيران قرب السفارة الأميركية في بغداد، الحشد إلى فخ الحرج الذي سقط فيه، وتسببه في فضيحة جديدة لحكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، التي هي أبعد ما يكون عن الحاجة إلى ضربات جديدة، لأنها متداعية وتترنح من الأساس.
 
وعلى وقع موجة السخرية الشعبية التي طغت على حسابات أبرز النشطاء العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي، وجه الحشد مقاتليه بالانسحاب “التكتيكي” من أمام مقر السفارة الأميركية في بغداد، والتظاهر خارج المنطقة الخضراء.
 
وقال الحشد على موقعه الرسمي إنه يدعو “الجماهير المتواجدة قرب السفارة الأميركية إلى الانسحاب احتراماً لقرار الحكومة العراقية التي أمرت بذلك وحفاظًا على هيبة الدولة”، مخاطبا متظاهريه بأن “رسالتكم وصلت”.
 

ويشير بيان الحشد إلى التواطؤ الحكومي الواضح مع التظاهرة التي وصفت بالمفبركة أمام السفارة الأميركية التي تقع وسط المنطقة الخضراء المغلقة أمام سكان بغداد منذ مطلع أكتوبر الماضي، بسبب الاحتجاجات الشعبية الواسعة.

ومنذ بدء الاحتجاجات مطلع أكتوبر، حاول المحتجون الوصول إلى المنطقة الخضراء التي تضم فضلا عن مبنى السفارة الأميركية مقرات الحكومة العراقية وسفارات أجنبية أخرى، من دون جدوى.

وبين الأول والثالث من أكتوبر قتلت قوات رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وعناصر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران قرابة الـ185 شابا عراقيا لمجرد منع التظاهرات من الوصول إلى المنطقة الخضراء. لكنّ متظاهري الحشد الشعبي عندما قرروا محاصرة السفارة الأميركية في بغداد، فتحت الحكومة أمامهم أبواب المنطقة الخضراء، ما فجّر موجة سخرية شعبية كبيرة، دارت حول تناقض التصرفات الحكومية.

ويقول نشطاء إن المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد والساحات الأخرى، إنما يمثلون الشعب الغاضب ضد الحكومة، بينما تمثل تظاهرة السفارة الأميركية موقف الحكومة الغاضبة من واشنطن، بدلالة قيادتها من قبل زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي يتحكم في 15 مقعدا برلمانيا ضمن مجلس النواب العراقي ووزارتين ضمن حكومة عبدالمهدي، وهادي العامري الذي يقود تحالف الفتح ذي الـ58 مقعدا نيابيا والتسع وزارات، وفالح الفياض مستشار الأمن الوطني الذي يتزعم كتلة عطاء النيابية بعشرين مقعدا.

وسخر النشطاء من ظهور العامري والخزعلي والفياض، فضلا عن قائد أركان قوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في التظاهرات، ووصفوهم بالنشطاء، فيما حذروا من تعرضهم للاختطاف، على غرار متظاهري التحرير الذين يتعرضون لعمليات اختطاف واغتيال بشكل يومي.

واتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أربع شخصيات عراقية بتنظيم التظاهرات ضد سفارة بلاده في بغداد، واصفا إياهم بـ “الإرهابيين”.

وقال بومبيو، “لقد تم تنظيم الهجوم من قبل الإرهابيين أبومهدي المهندس وقيس الخزعلي، وحرض عليهما الوكلاء الإيرانيون هادي العامري وفالح الفياض”.

ولم تعجب بيانات الشجب والاستنكار التي صدرت من رؤساء الحكومة والجمهورية والبرلمان ضد الحصار الذي نفذه عناصر الحشد الشعبي للسفارة الأميركية ببغداد، ورد أحدهم بموقف غاضب.

وقال مسؤول التوجيه العقائدي في الحشد الشعبي، محمد الحيدري، في رسالة وجهها إلى رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي “نتساءل لماذا لم نجد مثل هذا الاهتمام قد حصل منكم أمام اعتداء العصابات وحرقها المنازل والمباني والممتلكات العامة والخاصة في بغداد وعدد من المحافظات وكلها ملك للشعب العراقي وخاصة ممتلكات الناس وتدميرها؟ وكذلك قيام العصابات بعمليات قتل وخطف وتعطيل للنظم وللحياة اليومية. فلم نجد موقفا صارما؟”، في إشارة إلى اعتصام محتجي أكتوبر واعتصامهم ومرابطتهم في الساحات منذ ثلاثة شهور.

وأضاف الحيدري، “ربما هناك من يقول إن الهجوم الذي حصل أمس (الأول الثلاثاء على السفارة الأميركية في بغداد) يختلف باعتباره على سفارة وهذا ما يخالف الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية، لكننا لم نجد أيّ اهتمام من قبلكم حينما أحرقت العصابات القنصلية الإيرانية في النجف الأشرف بالكامل بعد انسحاب الأمن من محيطها، وتكرّر حرقها ولم ترسل أيّ قوة لحمايتها، كذلك اعتداء عصابات على القنصلية الإيرانية في كربلاء في محاولة منهم لحرقها، فلم نجد الخطوات الصارمة بإرسال قوات أمن لحمايتها أو باتخاذ مواقف حازمة؟”.

وخلص إلى القول، “نأمل منكم أيها السادة من الآن فصاعدا أن نجد موقفا حازما وصارماً وشديدا تجاه العصابات، المدعومة من أميركا، والتي تقتل وتخطف وتحرق وتعرقل الحياة والتي بدأت تمتد لمنشآت اقتصادية حيوية”، في إشارة إلى متظاهري أكتوبر.


وتوقع مراقب سياسي عراقي أن يكون قد دار في أذهان مسلحي الحشد الشعبي أثناء مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد الاحتفال الرث الذي شهدته طهران قبل أربعين عاما حين أقدم الحرس الثوري على احتلال السفارة الأميركية هناك. وهو احتفال لا تزال إيران تدفع ثمنه حتى اللحظة.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “المفارقة تكمن في أن عددا من أركان الحكومة، كما هو حال فالح الفياض وهو مستشار الأمن القومي إضافة إلى كونه رئيس الحشد الشعبي، قد شاركوا في تلك التظاهرة التي مثلت بتفاصيلها اعتداء صارخا على بعثة دبلوماسية. وإذا ما كانت الحكومة العراقية ممثلة برئيسها عبدالمهدي لم تظهر أيّ حرج مما جرى فلأنها لم ترغب في استعداء زعماء الحشد المشاركين في التظاهرة والذين قد ينقلبون عليها مما قد يزيد وضعها سوءا”.

وأكد على أن كل الوقائع تدين الحكومة العراقية بالتواطؤ مع متظاهري الحشد وبالأخص في مسألة السماح لهم بدخول المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة. معبرا عن استغرابه من أن تلجأ مؤسسة عسكرية كان فصيل منها قد بادر بضرب قاعدة أميركية إلى التظاهر كما لو أنها إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى إلى إظهار استهجانها لعدوان استهدف مدنيين.

وهو ما لا ينطبق على الواقع. ذلك لأن كتائب حزب الله العراقي التي يتزعمها أبومهدي المهندس هي فصيل مقاتل ويعلن استعداده الدائم للإضرار بمصالح الولايات المتحدة. وهو ما يمكن أن يضفي على تلك التظاهرة طابعا هزليا. فبدلا من أن يرد الحشد على ما أسماه عدوانا أميركيا بأساليب قتالية نجده قد لجأ إلى أساليب لا يمكنها أن تتّبعها سوى جماعات مجردة من السلاح في الدفاع عن حقوقها. ذلك كما يُقال لا يحدث إلا في العراق.