انتهى العام الماضي مع ولادة آلام جديدة للسوريين ناجمة عن تعرض منطقة إدلب وما حولها للقصف الجوي الوحشي من قبل طيران النظام والقوات الروسية.
 

بدأ العام الماضي (2019) بتعيين مبعوث دولي جديد، رابع، للأمم المتحدة إلى سوريا، وهو غير بيدرسون، بعد استقالة المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا (2014 – 2018)، الذي كان سبقه في تلك المهمة، مبعوثان آخران هما: كوفي عنان (فبراير ـ أغسطس 2012) والأخضر الإبراهيمي (سبتمبر 2012 ـ مايو 2014)

وبديهي أن تعدد المبعوثين الدوليين دلالة على طول أمد الصراع، لكنه دلالة على تعقيداته الجمّة واستعصائه على الحلّ، فضلاً عن أنه دلالة على لامبالاة المجتمع الدولي بشأن إيجاد حل له، ولا حتى على مستوى معالجة المسائل الإنسانية، التي يفترض أنها شؤون فوق تفاوضية، كرفع الحصار، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية، وإطلاق المعتقلين. بل إن التأثير الدولي في هذا الاتجاه بدا غير ملموس على الإطلاق، لاسيما مع غياب مفاوضات جنيف لصالح مفاوضات أستانة، التي يرعاها “الضامنون” الثلاثة روسيا وتركيا وإيران.

وفي شأن التأثير الدولي في الصراع السوري فقد بدأ العام الماضي، أيضا، بالحديث عن أهمية تشكيل اللجنة الدستورية من قبل المبعوث الدولي الجديد، والتي كان بشّر بها المبعوث الدولي السابق دي ميستورا، ولكن ذلك انتهى إلى ما يشبه نعي ذلك المسعى، من قبل المبعوث ذاته، إذ أن بيدرسون لم يتمكن سوى من عقد اجتماع افتتاحي للجنة في جنيف في أواخر شهر أكتوبر الماضي، لكنه عجز في فبراير عن عقد جولة ثانية للجنة، بسبب تملص وفد النظام من مناقشة القضايا الدستورية، الأمر الذي جعله ينعي تلك اللجنة، في إحاطته لمجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2019، التي تحدث فيها عن ضرورة القيام بخطوات متوازية في عدة مجالات لفرض حل ما للصراع السوري.

من جهة التأثيرات الخارجية يمكن ملاحظة تقاسم القوى الدولية للنفوذ في سوريا، حيث تتواجد الولايات المتحدة في شرقي الفرات، في المنطقة التي تحتوي الثروة النفطية، وتركيا في الشمال السوري، والتي تشمل منطقة إدلب، وأرياف حلب الشمالية والشمالية الغربية إلى رأس العين، بعد أن استطاعت فرض منطقة آمنة تركية على خلاف مفهوم المناطق الأمنية السابقة التي كانت تفترض حظرا جويا، أو إيجاد منطقة آمنة للمدنيين، في منطقة ما، وذلك بالتفاهم مع روسيا والولايات المتحدة في أكتوبر الماضي، الأمر الذي فرضته بالقوة في ما يسمى عملية “نبع السلام”، التي مكنتها من السيطرة على منطقة طولها 120 كلم وعمقها 30 كلم.

في المقابل فإن إيران وروسيا باتت لهما سيطرة شبه مطلقة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وإن كانت الكلمة العليا لروسيا، التي باتت شريكة فعلية للنظام في الصراع السوري، لاسيما منذ سبتمبر 2015، إذ هي، وليست إيران، التي مكنت النظام من استعادة معظم المناطق، واللافت أن ذلك حصل تحت يافطة خطة “المناطق منخفضة التصعيد”، التي كانت تركيا فيها طرفا أصيلا وضامنا للمعارضة.

وطبعا فإن حصة إسرائيل في الصراع السوري مكفولة سواء في الجنوب، أو عبر سياسة الذراع الطويلة التي استخدمتها، والتي استطاعت عبرها توجيه ضربات قوية للحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له على امتداد الأراضي السورية، وشملت العراق أيضا.

في المحصلة فإن العام 2019، تضمن تقاسم النفوذ في سوريا، لصالح القوى الخمس الموجودة (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل)، مع ملاحظة تضاؤل دور القوى المحلية، لاسيما النظام وفصائل المعارضة. كما يمكن ملاحظة أن هذا الأمر يعني أفول الصراع بواسطة السلاح، بالقياس للسابق، لاسيما بعد هزيمة تنظيم داعش على يد قوات التحالف الدولية وقوات “قسد”، التي تحققت في مارس الماضي، وبعد مصرع زعيمه أبوبكر البغدادي، على يد قوات أميركية في باروشا قرب إدلب. لكن التحفظ المذكور يتأتى من حقيقة أن انتهاء داعش وهيمنة الاطراف الدولية الخمسة لا يعنيان أن الصراع المسلح سيتراجع، إذ سيبقى التوتر على حاله خاصة في منطقة إدلب، بحكم هيمنة جبهة النصرة في تلك المنطقة، بعد أن كانت فرضت سيطرتها فيها منذ أوائل العام الماضي، وأيضا في منطقة شرقي الفرات بحكم وجود جيوب لداعش في تلك المنطقة، وبحكم محاولات الميليشيات الإيرانية إيجاد نفوذ لها فيها، باعتبارها بوابة للعراق وإيران، وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة.

انتهى العام الماضي مع ولادة آلام جديدة للسوريين ناجمة عن تعرض منطقة إدلب وما حولها للقصف الجوي الوحشي من قبل طيران النظام والقوات الروسية، كما شهدت تلك المنطقة موجة نزوح عارمة، أي نكبة جديدة، تمثلت في تشريد حوالي ثلاثمئة ألف من السوريين من بيوتهم وقراهم وبلداتهم وحرمانهم من أملاكهم ومن أعمالهم. أيضا فإن الداخل السوري، أي المناطق الخاضعة للنظام، لم تسلم من نكبة أخرى تمثلت في انهيار قيمة العملة، التي باتت تقترب من خط ألف ليرة للدولار، الأمر الذي يعني تدهور مستوى معيشتهم إلى مستويات كبيرة جدا.

بيد أن العام الماضي حمل بشارتين، ربما تعضدان حال السوريين وتفتحان المجال أمام واقع جديد قد يخفف معاناتهم. الأولى، تمثلت في اندلاع حراكات شعبية في السودان والجزائر ولبنان والعراق، والأهم في البلدين المجاورين، العراق ولبنان، اللذين مازالا يشهدان ثورة شعبية تتوخى الانتهاء من نظامين طائفيين وفاسدين، مع ملاحظة أن القوى التي تدافع عن الفساد والطائفية هي ذاتها الجماعات الميليشياوية الطائفية التي تشتغل كأذرع إقليمية لإيران في المشرق العربي (زينبيون وفاطميون وعصائب الحق وكتائب أبوالفضل العباس وفيلق بدر وحزب الله)، وهي ذاتها التي تدافع عن نظام الاستبداد في سوريا. والثانية إقرار الولايات المتحدة قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وعلى كل شريك له في قتل السوريين وتشريدهم.