تحدثت بعض التقارير عن وجود سجال أوروبي فلسطيني مكتوم حول الموقف من الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية التي كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد دعا إليها مؤخرا.
 
ويدور السجال حول شكوك الاتحاد الأوروبي في جدية الطبقة السياسية في قطاع غزة والضفة الغربية بشأن إجراء الانتخابات. ويشتبه الأوروبيون في حقيقة ما يرمي إليه عباس من اشتراط عدم ممانعة إسرائيل بإجراء الانتخابات في القدس لإصدار المراسيم الرسمية لإطلاق العملية الانتخابية.
 
وكان الرئيس الفلسطيني قد كرر، الأحد، أنّه من دون ضمان إجراء الانتخابات بالقدس لن تقام أي انتخابات بالأراضي الفلسطينية. وأضاف عباس “إذا لم نحصل على موافقة رسمية أننا يجب أن نجري هذه الانتخابات في قلب القدس لأهل القدس، أقول لكم بصراحة لا نستطيع أن نجري انتخابات”.

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن السلطة الفلسطينية وقيادتها لم تكن لتذهب إلى خيار الانتخابات، أو الإعلان عن خطط بشأنها على الأقل، لولا الضغوط التي مارسها الاتحاد الأوروبي، بصفته ممثلا للدول المانحة التي تموّل السلطة الفلسطينية، على القيادة الفلسطينية بضرورة تجديد التمثيل الشرعي البرلماني بصفته شرطا من شروط مواصلة تلك الدول في تقديم الدعم المالي الذي يتيح استمرارية عمل المؤسسات التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو.

ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن مصادر أوروبية أن الاتحاد الأوروبي لوّح بوقف المساعدات المالية التي يقدمها للسلطة الفلسطينية، في حال لم تعمل القيادة الفلسطينية على إجراء الانتخابات.

ويحل الاتحاد الأوروبي في المرتبة الأولى باعتباره أكثر جهة تقدّم مساعدات مالية إلى السلطة الفلسطينية، بمتوسط يقدَّر بـ300 مليون دولار سنويا، بعد وقف الولايات المتحدة دعمها للسلطة.

وتلفت المصادر الأوروبية إلى أن قيادة السلطة الفلسطينية لم تظهر أي حماس أو جدية في الذهاب إلى إجراء الانتخابات، ولطالما تذرعت بوجود الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وبالتالي بين حكومة الضفة الغربية و”حكومة” قطاع غزة، لتأجيل هذا الاستحقاق.

وترى المصادر أن الرئيس الفلسطيني قد استجاب للضغوط الأوروبية، وأعلن في سبتمبر الماضي، بمناسبة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه سيدعو إلى إجراء هذه الانتخابات، آملا أن توافق بقية الفصائل، لاسيما حركة حماس على المشاركة فيها.

وتكشف مصادر دبلوماسية داخل المفوضية الأوروبية في بروكسل أن مسؤولي الملف الفلسطيني أبدوا ارتياحا للخطوة الفلسطينية دون تعويل على هذا الإعلان ودون أي ثقة بالجسم القيادي الفلسطيني في الذهاب بجدية إلى تنفيذ تلك الخطوة.

وأضافت المصادر أن معلومات وردت إلى عواصم أوروبية كبرى أفادت بأن قيادة السلطة الفلسطينية بزعامة أبومازن كانت تعوّل على رفض حركة حماس إجراء الانتخابات في قطاع غزة من أجل تحميلها مسؤولية فشل مسعى قيادة السلطة في رام الله، وبالتالي تبرئة نفسها أمام الدول الأوروبية المانحة من أي اتهامات كانت تكال إليها بعرقلة إجراء هذه الانتخابات.

وتتحدث بعض المعلومات عن أن حركة حماس التي أبلغت رئيس لجنة الانتخابات المركزية، حنا ناصر، بقرار الموافقة على المشاركة في الانتخابات، فاجأت قيادة حركة فتح والرئيس محمود عباس بقرارها المشاركة في هذه الانتخابات دون أي شروط مسبقة، وتواصلت عبر قنوات خاصة مع بعض الأطراف الأوروبيين بغية تأكيد جديتها، وقطع الطريق على أي محاولات قد تلجأ إليها قيادة السلطة لدى المفوضية الأوروبية للتشكيك بموقف حماس في هذا الصدد.

وتخلص هذه المعلومات إلى أن الدبلوماسية الأوروبية قد أبلغت القيادة الفلسطينية في رام الله بأنها قد أخذت علما رسميا بموافقة حركة حماس ومواقفها في هذا الشأن، وأنها تنتظر من السلطة القيام بالإجراءات اللاّزمة وبأسرع وقت ممكن لإعلان موعد هذه الانتخابات والسير نحو إجرائها.

بالمقابل، رحبت القيادة الفلسطينية في رام الله في حينها بموافقة حركة حماس، إلاّ أنها، وعلى لسان الرئيس عباس، طالبت بمشاركة القدس في هذه الانتخابات، معتبرة أن الأمر هو شرط لإجراء هذه الانتخابات.

ويحتاج أمر انضمام القدس إلى الانتخابات التشريعية الفلسطينية العتيدة إلى موافقة إسرائيل التي لم ترد حتى الآن على الطلب الرسمي الذي وجهته السلطة الفلسطينية بهذا الصدد للحكومة الإسرائيلية، وسط أجواء تفيد بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد قرر تجاهل الطلب الفلسطيني وعدم الرد عليه في الوقت الراهن.

وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، قال في وقت سابق، إنه جرى تقديم طلب رسمي إلى إسرائيل للسماح لسكان القدس الشرقية، بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، ترشحا وانتخابا.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، قد ذكرت، السبت، أن إسرائيل قررت تجاهل طلب السلطة السماح بعقد الانتخابات التشريعية شرقي مدينة القدس المحتلة.

ويعتبر مطلب مشاركة القدس في الانتخابات مطلبا سياديا فلسطينيا يتمسك باعتبار القدس جزءا من الدولة الفلسطينية، وهو أمر تجمع عليه جميع الفصائل الفلسطينية. إلا أن الأجواء الأوروبية ترى أن في الشرط تسييسا مقصودا من قبل القيادة الفلسطينية بتواطؤ كامل مع حركة حماس للتحلق حول سبب لتأجيل هذا الاستحقاق. وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن القيادة الفلسطينية بالخصوص تحاول رمي الكرة في ملعب أوروبا، من خلال مطالبة الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوط على إسرائيل للسماح بإجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية.

وكانت حركة حماس قد دعت، الأسبوع الماضي، حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية إلى فرض العملية الانتخابية في مدينة القدس المحتلة، وتحويلها إلى “حالة اشتباك شعبي وسياسي مع الجانب الإسرائيلي”.


وترى هذه المصادر أنه بغض النظر عن شرعية أو “انتهازية” مطالبة الفلسطينيين لأوروبا بممارسة هذه الضغوط، فإن على القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس إصدار المراسيم وإطلاق خارطة طريق رسمية لإجراء الانتخابات وعدم اشتراط ذلك بموافقة إسرائيلية مسبقة على إجرائها في القدس، وأن مسألة موافقة إسرائيل تبحث إثر ذلك، وأن تدخّل الاتحاد الأوروبي كما دول أخرى يصبح مبررا بعد ذلك.

غير أن مصادر فلسطينية تعتبر أن مشاركة القدس ليست تفصيلا هامشيا وهي مطلب سياسي ملح بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وتقول المصادر إن التهاون في التمسك بفلسطينية القدس الشرقية، بصفتها عاصمة للدولة الفلسطينية، يعتبر خطيئة سياسية لا يمكن القبول بها تحت مسوغ تجديد شرعية المؤسسة البرلمانية للسلطة الفلسطينية. وغمزت المصادر من قناة الاتحاد الأوروبي معتبرة أن استخفاف الأوروبيين بالشرط الفلسطيني المتعلق بالقدس يتناقض مع رفض الاتحاد الأوروبي لقرار الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها.

وترى هذه المصادر أن قيام أوروبا بالتعامل مع قضية القدس بصفتها أمرا واقعا إسرائيليا هو تواطؤ مبطن يعتبر المدينة جزءا من الأراضي الإسرائيلية ويقر عمليا بما ذهبت إليه الإدارة الأميركية، حتى لو كان الموقف الأوروبي الرسمي نظريا ما زال غير قابل بالرواية الأميركية بشأن القدس.

وكان نقل عن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبوردينة، قوله إن الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية مصممان على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب فرصة ممكنة، مستدركا “لكن ليس بأي ثمن”.