في نهاية الماراثون الكارثي الذي يعاني منه البلد؛ من سيصل أولاً في لبنان، حكومة الاختصاصيين الخارجين من قبعات السحرة السياسيين ، أم انفجار الأزمة الاقتصادية والمعيشية، التي قد تتحول إعصاراً يدمر البلاد، وقد يجرّ لبنان تكراراً إلى المتاريس وما هو أسوأ؟
 
المواقف المتناقضة مستمرة طبعاً على مستوى العمل لتشكيل الحكومة العتيدة، التي عندما يقول عون من بكركي، إنها ستكون حكومة اختصاصيين، فإنه يناقض كل تمسكه السابق بحكومة تكنوسياسية، لكن من الواضح تماماً أنها حكومة ستخرج من رحم السياسيين، رغم أن حسان دياب يقول إنها ستكون وجه لبنان، ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك، وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز.
 
جواب حزب الله على قصة حكومة الاختصاصيين التي يتحدث عنها الرئيس عون، والتي استفاض دياب في القول إنها ستكون من رجال علم واختصاص واقتصاد وأعمال، سرعان ما جاء عبر تصريح الوزير محمد فنيش، عن أن الحكومة المقبلة في حاجة إلى غطاء سياسي، وهو ما يدعو إلى السؤال؛ عملياً ماذا يعني الغطاء السياسي، إن لم يكن ضرورة عودة الوزراء دائماً إلى المرجعية الحزبية والسياسية التي ستضع أقنعتها المكشوفة جداً على وجوه أصحاب المعالي السادة الوزراء. 
 
لقد تزايد الاقتناع في الأوساط الدولية والدول المانحة، التي اجتمعت في مؤتمر سيدر، وكذلك في الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، التي تتعرض دائماً للتحامل والهجمات من حزب الله رغم كل ما قيل سابقاً عن سياسة النأي بالنفس، بأن الوضع في لبنان بات ميؤوساً منه تماماً.
 
هذه السلطة، التي تذهب إلى تشكيل حكومة أقنعة سياسية، تحاول تجاوز مطالب الثورة الشعبية المندلعة منذ شهرين ونيف، داعية إلى إسقاط كل السياسيين، في مثل هذه الحال، سيكون اللون الواحد السمة الابرز للحكومة، رغم حرص حزب الله على طبعها بسمة التكنوقراط، تلبية لشروط خارجية، اميركية في الدرجة الاولى، يراهن الحزب على ان ولادة حكومة اختصاصيين لن تثير الاستفزاز الدولي عموما والاميركي خصوصا، اذ ستشكل في معايير التأليف تنازلا منه عن الحكومة التكنو سياسية التي كان يشترط تشكيلها، بعدما تعذر تطويع الحريري ضمن هذه الشروط.
 
ولكن هل تُكتب لمثل هذه الحكومة الحياة وهل ستكون قادرة على مواجهة التحدي المالي والاقتصادي، اذا ابصرت النور وسط عزلة عربية ودولية؟ وفي وقت تعلن واشنطن أنه لا توجد دولة غربية مستعدة لإنقاذ لبنان إذا لم يستوعب السياسيون رسالة الشارع الثائر. 
 
وعليه شهدت الساعات الماضية فرملةً واضحة للإندفاعة الحكومية مع بروز عقبات عدة على طريق إنجاز التشكيلة،والعمل على نار هادئة كفيلة بإزالة العثرات التي ظهرت في ضوء المعطيات المرافقة لعملية التأليف، وإيجاد الحلول المناسبة.
 
مصادر مطّلعة على عملية التأليف أفادت أن العثرة الأولى لا تزال تتمثّل بالعقدة السنّية الميثاقية وعدم توفّر تسمية شخصيات سنّية قادرة على خلق قبولٍ بها بالحد الأدنى في الشارع السنّي، مع تعويل دياب على توزير شخصيات أكاديمية لا اعتراضات عليها في الشارع السنّي، بالتزامن مع رفضٍ من الثنائي الشيعي لتسمية شخصيات سنّية تعمّق الأزمة مع الرئيس سعد الحريري بما يمثله من قوة أساسية على مستوى الطائفة السنّية.
 
وبالإضافة إلى التمثيل السنّي، برزت عقدة تسمية الوزراء المسيحيين في ظل محاولات التفرد بها من الوزير جبران باسيل، وتشير المصادر نفسها إلى أن محاولة الاستئثار بالتسمية تنسحب كذلك على من سيمثّل الطائفة الدرزية، العثرة الثالثة تتمثل بعدم الاتفاق بعد على الشكل النهائي للحكومة لناحية نوعية الوزراء، حيث يصرّ دياب على أن يكون الوزراء اختصاصيين بالكامل؛ يدعمه بهذا التوجه رئيس الجمهورية والوزير باسيل لحسابات تتعلق بالخلاف الناشب مع الحريري، في حين أن الثنائي الشيعي يتمسك باختيار أسماء لديها صفة الاختصاصيين حتى لو كانت من أصحاب الانتماء الحزبي، وهو ما أكدته مصادر حركة أمل
 
 ان الثنائي الشيعي أبلغ دياب ان الاسماء الشيعية الأربعة جاهزة، وتضم من بينها من هم تكنوقراط ومن لديهم انتماء سياسي، وبالتالي فإن الرئيس المكلّف أمام خيار تحديد الأولويات بين تأليف حكومة قابلة للحياة والعمل ولا تستفز أي طرف سياسي في البلد، أو الذهاب في خيارات أخرى قد تُفسّر على أنها رسالة سلبية بوجه الرئيس الحريري وباقي القوى السياسية، خصوصاً وأن أوساط الثنائي الشيعي لا تزال تستغرب إصرار البعض على خيار حكومة التكنوقراط الصرف دون غطاء سياسي. 
 
وإزاء كل هذه العقبات فإنه لم يعد مرجّحاً ولادة الحكومة مطلع الاسبوع، وتالياً تأجيلها الى ما بعد رأس السنة، وفي مطلق الاحوال، وأيا تكن صحة هذه المعطيات او دقتها التي ستبقى رهن ما تحمله التشكيلة الحكومية وموعد ولادتها، فإن الواضح تماماً ان السلطة السياسية لا تزال تبحث عن مصالحهاحتى لو كان على انقاض اقتصاد مفلس وبلد منهار.وفي المقلب الاخر الناس تبحث عن وطن .