الرّهان على أنّ الأوضاع هدأت بعد قرار تكليف الدكتور حسّان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، وأنّ المسار ذاهب في اتّجاه استعادة زمام المبادرة والخروج من الأزمة الاقتصادية، ولو بنحو بطيء، إنّما هو رؤية مخادعة لواقع يبشّر بالأسوأ.
 

في الحقيقة أنّ الهدنة التي فرضتها الأعياد لن تلبث أن تنتهي تحت وطأة واقع اقتصادي صعب سيزيد من حدّته تمنّع العواصم الغربية عن تأمين المساعدات الملحّة المطلوبة، لأسباب لبنانية داخلية وأخرى إقليمية.

 

في الواقع ظهر وكأن أهل السلطة أو أطراف الطبقة السياسية الحاكمة لم يستوعبوا بعد حجم التبدّلات الهائلة التي طرأت على المشهد اللبناني بعد 17 تشرين الأول الماضي. هم يتعاملون مع الواقع على أساس إمكانية تجاوزه والعودة الى الوراء، فيما الساحات تنبئ بما هو أصعب والقوى الدولية التي تمسك بمفتاح الإنقاذ، باتت لديها حسابات مختلفة.

 

وتماماً كما تعامل المسؤولون بحماقة مع الذين أطلقوا دعوات التحذير من الانهيارات المالية المتوقعة، فهم يكررون حماقاتهم مع التحذيرات من كوارث معيشية ومالية آتية لا محال.

 

ففي التقرير الصادر عن البنك الدولي عام 2016 ورد أنّ الموظفين الحكوميين ورعاتهم السياسيين يستحوذون مباشرة على نحو 25% من أموال القطاع العام، وأن نصف اللبنانيين يرزحون تحت خطّ الفقر وأنّ هذه الأرقام خطيرة.

 

ووفق التقرير نفسه أنّ 1% من اللبنانيين فقط هم من الأكثر ثراء ويستحوذون على 25% من الدخل الوطني في وقت لا يملك 52% من اللبنانيين تأميناً صحياً مناسباً.

 

وفي التقرير أيضاً أنّ حصّة الكهرباء من عجز الموازنة نحو 11% مع العلم انّ فاتورة الكهرباء التي يدفعها اللبنانيون هي ضعف المعدل في المنطقة.

 

أمّا صندوق النقد الدولي فيرى أنّ الدين الخارجي للبنان (حكومة ومصارف وشركات) نحو 195% من الناتج المحلي او 107 مليارات دولار اي بمعدل 15,500 دولار أميركي لكلّ مواطن لبناني.

 

في اختصار إنّ الصورة الاقتصادية والمالية للبنان من منظار المؤسسات الدولية ليست كارثية فقط، بل مرعبة لبلد صغير بحجم لبنان تفاقمت أوضاعه خلال السنوات الماضية من دون حصول أيّ جهد لإعداد خطّة إصلاح أو وقف التدهور.

 

المشكلة اليوم أنّ الافلاس الذي يهدّد مؤسسات مصرفية ومالية، والذي نبعد عنه بضعة أسابيع، لا يمكن إيقافه إلّا بعد الحصول على المساعدات الخارجية، والتي تمّ ربطها بإصلاحات تنفّذها حكومة من المستقلين غير الخاضعين لمشيئة القوى الحزبية والسياسية و«فسادها».

 

ووفق دراسة للخبير الأميركي في شؤون المنطقة السفير دينيس روس نشرتها «فورين بوليسي» فإنّ الإدارة الأميركية ومعارضيها على حدّ سواء غير مقتنعين بإمكانية حصول تغيير فعلي في العراق ولبنان. واعتبر انّ استقالة رئيسي الوزراء العراقي واللبناني عادل عبد المهدي وسعد الحريري غير مجدية، لأنّ النخب السياسية في بغداد وبيروت تركّز بمقدار كبير على توزيع المناصب الوزارية في الحكومتين المقبلتين وليس على تقديم اقتراحات إصلاح سياسية واقتصادية جريئة تستجيب لمطالب المحتجّين. ومرجّحاً استمرار «هيمنة النخبة» التي تغذّي نفسها من خلال توزيع السلطة على أسس طائفية.

 

في الواقع هذا ما يحصل مع المشاورات الصعبة لإنتاج حكومة جديدة تخضع، على ما يبدو، لمنطق المحاصصة الحاضن لدهاليز الفساد والذي سيعني في نهاية الأمر رفض العواصم الغربية مدّ يد المساعدة المالية لمنع الانهيار الكامل. هي توقعات شديدة السواد، لكنّها الأكثر واقعية مع الأسف. فالكارثة الاقتصادية تكاد تكون حتمية إذا لم يتلقّ لبنان مساعدات بمليارات الدولارات. وفي المعلومات انّ هذه الترجيحات المتشائمة تسود العواصم الخارجية والتي تتوقع أسابيع صعبة في لبنان.

 

لذلك تعمل مجموعة من الحزب الديموقراطي الأميركي على تحضير مشروع يدفع الإدارة الأميركية الى القيام بمبادرة سياسية عندما ستشتدّ الازمة في لبنان. صحيح انّ الحزب الديموقراطي يعيش مرحلة توتر مع الحزب الجمهوري لكن في العادة إنّ مسائل خارجية مماثلة تلقى ترحيباً لدى الحزب المقابل.

 

وستتضمّن المبادرة وفق الاقتراح الجاري بلورته، إمكانيّة التمويل والمساعدة لدعم الإصلاح في الوزارات المدنية، والمساعدة على مكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون وإعادة الخدمات وتقديم التدريب وتطوير البنى التحتية وتحفيز النمو الاقتصادي. وبالطبع ستكون هنالك أثمان سياسية مطلوبة.

 

وبدا انّ السفير دينيس روس غير البعيد عن الاقتراح الجاري صوغه، تحدث عن شراكات استراتيجية مع الشعب اللبناني من خلال خطوة تشريعية وفق اتفاق جديد بين واشنطن وبيروت يرسم خريطة طريق لمشاركة ثنائية خارج نطاق تركيز واشنطن التقليدي. مع الإشارة الى انّ روس قريب من الحزب الديموقراطي.

 

والمشكلة أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصمّم على تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني لأنّه يعتبر أنّ هذه السياسة تؤتي ثمارها، على رغم تحذيرات معارضيه من أن يؤدي حشر طهران في الزاوية الى تصعيد النزاعات في الشرق الأوسط.

 

واللافت ما يتعلق بالتركيز الإسرائيلي الصامت على تطوّرات الوضع في لبنان. ذلك أنّ مركز بحوث ALMA الإسرائيلي شبه الرسمي والموجود في الجليل والذي كان متفرّغاً لمتابعة أوضاع الحدود مع لبنان وطريقة عمل قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) ووضع دراسات متتالية حيال وضع «حزب الله» وقوّاته في جنوب لبنان، هذا المركز وسّع مهمات عمله ليترافق مع التطورات التصاعدية للاحتجاجات الشعبية الحاصلة في لبنان.

 

وتحدث عن اجتماعات أمنية عقدها «حزب الله» مع مسؤولين لبنانيين وآخرها كان في 18 كانون الاول. كما ركّز مركز البحوث الإسرائيلية على مدى جهوزية «حزب الله».