يتحلّقون حول طاولة لجنة المال والموازنة في مجلس النواب: حاكم مصرف لبنان المركزي السيد رياض سلامة، وعن يمينه رئيس جمعية المصارف السيد سليم صفير، وعن يساره وزير المالية علي حسن خليل، ويليه رئيس لجنة المال والموازنة السيد ابراهيم كنعان، ويليه سائر أعضاء اللجنة، لو قّيّض لك أن تتأمل وجوه الحاضرين، وتّدقّق في القسَمات، لظهرَ لك العجب العُجاب، الجماعة مُرتاحون على دهرهم، وفي مناصبهم، السّكينةُ والوقار والحبور يلُفُّ الحضور، والابتسامات الصفراء تعلو الوجوه، ربما لم تطرق أسماع هؤلاء المسؤولين الماليّين: أزمة الودائع في المصارف، أزمة فقدان الدولار، أزمة نقصان السيولة في الليرة اللبنانية، أزمة توفير الأموال اللازمة للضمان الاجتماعي، الأموال المستحقة للمستشفيات الخاصة بذمّة الدولة، أزمة تأمين العملة الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية والحيوية كالطحين والبنزين والأدوية. يتحلّقون حول الطاولة، لا مُداولات مُجدية، ولا قرارات فاعلة تشفي الغليل، ولا مسؤولية رادعة، سبقَ لهم أن اجتمعوا في القصر الجمهوري مُثنى وثلاث ورُباع، وخرجوا بأوراق حملتها رياح التسويات، ومزّقتها أصابع الصفقات، اجتماعات السيد ابراهيم كنعان في لجنة المال والموازنة لا تنقطع، وهو ما يزال منذ أكثر من خمس سنوات ينثر الوعود والأحلام،  الوردية، قرارات واقتراحات تبقى حبراً على ورق، نسمع جعجعة بلا طحين، يتفرّقون من حول الطاولة ليسخروا من المواطنين ويضحكوا على ذقونهم، الحاكم لا يعرف مدى سعر الدولار في السوق "السوداء"، وصفير يّطمئن المودعين بسلامة ودائعهم في القريب الذي يمكن أن لا يكون عاجلاً أبداً، في حين يلمس المودعون يوماً بعد يوم أنّ أموالهم أصبحت في مهاوي المجهول، وفي متاهات الوعود والامنيات، وحالُ المواطن اللبناني هذه الأيام كحال الشاعر حيث يقول:
 
فلو كان منه الخيرُ، إذ كان شرُّهُ
 
عتيداً، لقُلنا إنّ خيراً مع الشّرِّ
 
ولو كان، إذ لا خيرَ، لا شرَّ عندهُ
 
صبرنا وقُلنا: لا يريشُ ولا يبري 
 
ولكنّهُ شرٌّ ولا خير عندهُ
 
وليس على شرٍّ إذا دامَ من صبرِ.
 
لا يريشُ ولا يبري: كناية عن أنّهُ لا يضرُّ ولا ينفع.