محمد درويش عواد
تحتلّ الدكتورة دلال عنبتاوي مكانة مرموقة في السّاحة الأدبيّة؛ فهي ناقدة معروفة صدر لها كتابان نقديان مهمان، الأول : بدر شاكر السياب قراءة أخرى، والثاني : المكان بين الرؤيا والتشكيل في شعر إبراهيم نصر الله، وهي مقررة لجنة النقد في رابطة الكتاب الأردنيين للدورة الحالية، وعضو في جمعية النّقاد الأردنيين، ولها إسهامات ونشاطات كثيرة في هذا المجال. وقد استطاعت دلال في رحلاتها النّقدية عبر سنوات طوال أن تطوّر من أدواتها النّقديّة حتى باتت اليوم من أشهر نقّاد الأردن، تتعامل مع النّصوص الشّعريّة والنّثريّة بكلّ اقتدار، فترى بعينيها النّاقدتين وأدواتها المتطوّرة ما قد لا يراه الأديب نفسه، وبذلك شكّلت ذائقتها الشّعريّة التي تمكّنت من خلالها وضع بصمتها الشّعريّة الجميلة.
(عتبات الغياب) والذي صدر عام ألفين وسبعة عشر هو الديوان الثاني والأخيرحتى الآن للشاعرة دلال عنبتاوي، وهذا يدلّ على أن الشاعرة مقلّة في كتابة الشّعر عن قصد حتى تُخرج لنا أجمل ما في جعبتها، حيث إنّها تكتب القصيدة بعد رحلة مضنية في أسرار اللغة وعناق مع بلاغتها حتى تولد بين يديها مكتملة النّضوج  كاملة الدّلال، وهذا ما سندلل عليه من خلال القضايا التي خرجنا بها بعد قراءتنا للديوان، وهي على النحو الآتي :
أولا : قصائد الديوان قصائد عنقوديّة؛ فمنذ الإهداء (إلى أمي أقسى غياب في حياتي) حتى القصيدة التاسعة ومرارة فقد الأم تظهر بجلاء، كما قصائد الديوان كاملة تدور في فلك الفقد والألم والمرارة وهذا ما يلخّصه عنوان الديوان (عتبات الغياب).
ثانياً : التكثيف في قصائد الديوان، والتي بلغت إحدى وسبعين قصيدة في مائة وعشرين صفحة، وفي هذا بثّ للصّور واللوحات الفوتوغرافيّة التي تعبّر عن معاناة الشاعرة بمعنى مكتمل بأقلّ الكلمات.
ثالثاً : تكرار بعض عناوين القصائد؛ حيث تكرّر العنوان (حيرة) ثلاث مرّات، وتكرّر العنوان (سؤال) مرتين، وهو تكرار مقصود في رأيي حيث الحيرة تغلّف حياة الشاعرة في مواقف كثيرة، إضافة على أنّ كثيراً من الأسئلة تدور في خلدها لعلّها تجد لها ذات يوم إجابات شافية، وهذا ما جعلها تقتصد في عناوينها التي جاءت كثير منها بكلمة واحدة (سؤال، غياب، حزن، فراق، جحود،000 إلخ).
رابعاً : توظيف اللازمة المؤثّرة، والتي – كما يرى الدكتور ناصر شبانة في كتابه الرؤى المكبلة –تشكل خيطاً بنائياً يربط جميع أجزاء النصّ ويحرّكه باتجاه التنامي والكشف 000 وهي تغير مكانها في القصيدة بحيوية ورشاقة، لتبتعد قدر المستطاع عن الرتوبة والعادية، وهي بذلك تسهم في تشكيل الإيقاع الداخلي وتناميه، تقول الشاعرة في قصيدة (حزن) :
(حزينة،
كغصن زاره الخريف بغتة
وتقطّعت أوراقه
وداسه الغبار ألف مرّة
حزينة
000
حزينة) 
خامسا ً : استحدام الصور المتراكمة (التوقيعات)، وهي توقيعات نفسية تضجّ بالمرارة واللوعة في الموضوع نفسة، تمتد عبر ثنايا كل لفظة أوعبارة من هذا الديوان.
سادسا ً : تلجأ الشاعرة إلى تشخيص كلّ ما حولها كي تشاركها طعم الغياب ومرارة الحرمان.
  وبعد، فقد استطاعت الشاعرة بكلّ مهارة واقتدار من خلال إحساسها المرهف، ورشاقة عباراتها وتمكّنها من أدواتها الفنيّة أن تصعد بنا من خلال عتباتها نحو ما تريد، ولهذا شاركناها القهر ومرارة الغياب؛ غياب الأم والأب والحبيب والحبيبة، وهو غياب يطفئ نور العالم ويجعل الحياة مريرة، لكنّ الأمل موجود في (أغنية) الشاعرة التي تزرع فينا الأمل من جديد، ولهذا نردد قولها :
(ولكَ
اشتعالات الرّوح
وومض القصيد
إليكَ
وأنت غائب
لكنّك مزروع في جنبات الرّوح،
تناديك أرض مخضرّة تُنيت كلّ يوم
زهرة نديّة
وتقول في غيابك :
(على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة).