لم يقل رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلّا الحقيقة حين لمّح الى انّ الوزير جبران باسيل هو من يشكل الحكومة بأسماء التكنوقراط الذين يختارهم شخصياً، ويقدمهم الى رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، لينتقي منهم ما يصبّ في النهاية في حصة باسيل، الذي يريد أن ينال معظم الوزراء المسيحيين، بعد إقصاء حلفاء «حزب الله» الآخرين وفي طليعتهم تيار «المردة».
 

تقول أوساط مطّلعة على أجواء التأليف انّ التقاسم في حكومة دياب يجري على طريقة نهش الذئاب، وان لا شيء تغيّر الّا مساحيق التجميل التي أضيفت الى المشهد، وأعطيت إسماً حركيّاً هو «وزراء التكنوقراط».

 

وتشير هذه الأوساط الى انّ الرئيس المكلف الذي وضع لنفسه معايير في تشكيل الحكومة، تراجع عن قسم منها، ولو استمرت الامور على هذا النحو لَما بقي من هذه المعايير الّا القليل. وأوّل بوادر التراجع، طَي ورقة حكومة التكنوقراط، والاعتراف بالتمثيل النيابي، أي بعبارة أخرى عودة القوى السياسية الى تقاسم الحكومة، وفق التقسيم المذهبي والطائفي، فباسيل يريد الحصة المسيحية كاملة، فيما سيسمّي «حزب الله» وحركة «أمل» الوزراء الشيعة والسنة (الحلفاء للحزب) وربما يقدّم وليد جنبلاط لائحة أسماء من تحت الطاولة، لكي يختار دياب منها للتمثيل الدرزي.

 

وتشير الأوساط الى أنّ عقدة التمثيل المسيحي لم تُحل بعد. فباسيل يعتبر أنّ فرنجية إصطفّ مع الرئيس سعد الحريري، وانه التحق بخيار دياب في اللحظة الاخيرة، ولذلك لا يمكنه فرض شروطه على التيار، ولا يمكنه الاحتفاظ بوزارة الاشغال، واعتبارها من حصة «المردة». ويعمل باسيل وفق معادلة السيطرة على الحصة المسيحية، ولكن ولعدم إحراج الرئيس المكلف، يترك لضابط الاتصال شادي مسعد، أن يكون كتكنوقراطي، صلة الوصل بين المستوزرين والاسماء المرشحة للتوزير وبين رئيس الحكومة المكلف، في اعتقاد منه انّ البقاء في الصورة الخلفية أفضل من تصدّر الواجهة، حرصاً على صورة الرئيس المكلف ومنعاً لإحراجه، وهذا ما اعتلمَته معظم الدوائر العربية والدولية التي تتابع تشكيل الحكومة، للحكم عليها.

 

ولن تكون أزمة الرئيس المكلف، حسب الاوساط، أقلّ حدة في التعامل مع أحد طرفي الثنائي الشيعي، أي مع الرئيس نبيه بري، الذي عمد الى إفهام دياب عندما عرض عليه أسماء التشكيلة الوزارية، بأنه هو، أي بري، الذي يسمّي الاسماء ولا يتلقّاها من أحد، في إشارة الى اختيار الحقائب والأسماء على حدّ سواء، ولم تَغب هذه المشكلة عن اللقاء الذي جمع الرئيس المكلّف بالخليلين.

 

ويبقى السؤال: هل يصمد ما تبقى من معايير التشكيل التي وضعها دياب لنفسه، أمام هجمة التقاسم الفج الذي يتوقع أن يصبح اكثر وضوحاً كلما طال أمد التشكيل؟ وما هي حظوظ دياب وقدرته في فرض أمر واقع على القوى السياسية التي سَمّته لتشكيل الحكومة، والتي لا زالت الى الآن تُراعيه من حيث الشكل، وتتقاسم حكومته في المضمون.

 

يطرح دياب مسلمات عدة أبرزها رفض توزير أي مرشح للانتخابات النيابية، ويبدأ من نفسه في هذا الاطار، كذلك يطمح الى حكومة تكنوقراط صافية، لا يمانع فيها من استمزاج رأي القوى السياسية ببعض الاسماء، ويرفض أن ترسل الاسماء له بالبريد السريع. لكن كل هذه المعايير بدأت تسقط تباعاً، فـ«التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» يحجزان حقائب ويسقطان عليها الاسماء، تجاوزاً للرئيس المكلف، ولصلاحياته الدستورية، التي انتهكت طوال الفترة الماضية وتوّج انتهاكها بكلام الرئيس ميشال عون من بكركي من دون ان يصدر عن الرئيس المكلف أيّ رد على ما قاله عون، الذي إن كان يتكلم عن الحريري فهو أصاب موقع رئاسة الحكومة، بنحوٍ يَمسّ أي رئيس حكومة يشغل هذا الموقع.