يقول العالمون: كل «المراجل» المتبادلة بين الرئيس سعد الحريري وخصومه أو شركائه في الملف الحكومي ليست ذات شأن، فلا أحد من القوى الداخلية يمكنه ادّعاء البطولات و«تهبيط الحيطان». وفي العمق، هناك لاعب واحد يتحكم بكثير من عناصر اللعبة، إنه «حزب الله».
 

ما يريده «حزب الله» اليوم هو إمرار «القطوع». هو يدرك أنّ الموجة التي تستهدفه عاتية، وليس من الحكمة الوقوف في وجهها. لذلك، يبدو أنه اختار «الدخول في الموجة»، لعله يقلّص حجم الأضرار الآتية، والتي لا بد أن تصيبه بخسائر فادحة.

 

يعرف «الحزب» أنّ المواجهة التي يخوضها مع الولايات المتحدة وقوى أخرى دولية وإقليمية لن تهدأ إلا بالحسم أو باتفاق دولي - إقليمي. فالأميركيون يصرّون على انتزاع الورقة اللبنانية من يد طهران.

 

ويعتمد الأميركيون أسلوب الجولات المتتالية في هذه المواجهة، منذ سنوات، ويطمحون إلى إضعاف «الحزب» في شكل تدريجي أو بأسلوب القضم، والجولة الحالية ربما تكون الأعنف. فالإدارة الأميركية تبدو أكثر حزماً هذه المرّة. وهذا ما أدركه «حزب الله».

 

ويعرف «الحزب» نقطة ضعفه في المواجهة. فواشنطن استفادت من مناخ النقمة الشعبية العارمة ضد سلطةٍ يَتزاوج فيها نفوذ «الحزب» وسلاحه مع فساد الطبقة السياسية. ولذلك، قرّر أن يأخذ على عاتقه إيجاد مخارج على خطين: حكومة مقبولة ومخارج للأزمة المالية وفق المعايير التي ترضي طموحات الشارع الغاضب ومطالب المجتمع الدولي.

 

1- في ملف الحكومة، يضطلع «الحزب» بالدور الأساسي في عملية التأليف، بعد عملية التكليف. ووفق المعلومات أنّ «الثنائي الشيعي» هو الذي بادر إلى تسمية دياب بعدما «يَئس» من مساعيه مع الرئيس سعد الحريري. وهو أيضاً يرغب في إتمام عملية التأليف بسرعة، تجنباً لمزيد من المخاطر المالية.

 

ويقول مطلعون إنّ «حزب الله» أخذ على عاتقه تسهيل ولادة حكومة تكنوقراط في أقرب وقت ممكن، يمكن في الشكل تصنيف أعضائها في خانة «شبه الحياديين»، ولكنهم في الواقع يحظون بالتغطية السياسية والحزبية.

 

ويسعى «الحزب» إلى تسويق تركيبة حكومية، واجهتها دياب، تنال رضى المعنيين في الداخل والخارج، ولاسيما الأميركيين الذين منحوه فرصة معينة لإثبات استقلالية هذه الحكومة عن النفوذ السياسي. وهذه التركيبة قد تولد في غضون الأسبوع أو الأيام العشرة المقبلة، تجنّباً لمزيد من الاهتراء السياسي والاقتصادي.

 

2- على المستوى المالي، بدأ «الحزب» يتحرك مباشرة لتقديم نفسه شريكاً في عملية الإنقاذ من الكارثة المحتومة، إذ لا جدوى من قيام أي حكومة كانت إذا كان البلد قد سقط فعلاً في الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي والفشل الإداري الكامل، مع تعثّر تمويل الدولة والقطاع العام.

 

وكلام النائب حسن فضل الله عن الـ11 مليار دولار المحوَّلة من لبنان إلى الخارج ليس عادياً، لا في المضمون ولا التوقيت. ونقاشات لجنة المال النيابية كانت أمس ذات أهمية اسثنائية، لأنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أطلق خلالها وعداً بأن تتولّى هيئة التحقيق الخاصة مهمّة التقصّي عن كل التحويلات إلى الخارج خلال 2019.

 

الواضح أنّ «الحزب» يبذل أقصى جهده لإظهار دور له في تجاوز الانهيار المالي، وإبعاد أصابع الاتهام التي توجَّه إليه عادةً لأنه شريك في تركيبة السلطة المسؤولة عن وصول البلد إلى الكارثة.

 

ويرى كثيرون أنّ «حزب الله» هو الأقدر على المساهمة عملياً في كشف ملابسات المأزق المالي، لأنه وحده بين القوى المحلية يمتلك قدرات معلوماتية ولوجستية، وبينها تلك المتعلقة بتنقُّل الأموال ضمن مؤسسات الدولة وأجهزتها ومصالحها.

 

وقد يملك «الحزب» حدّاً معيناً من المعلومات عن حركة الأموال التي تدخل القطاع المصرفي اللبناني أو تخرج منه. وتالياً، هو يستطيع أن يضع نفسه في خدمة الهيئات الرقابية والمالية والقضائية لكشف بعض الجوانب. لكنه بالتأكيد سيضطر لاحقاً إلى التخلي عن بعض ميزاته، ولاسيما منها تلك المتعلقة بالمعابر والجمارك.

 

هل سينجح «الحزب» في هذا الامتحان الذي اختاره لنفسه؟

أيّاً يكن الأمر، فـ»الحزب» يعرف أنّ «الدخول في الموجة» يبقى أفضل لأنه يقلّص حجم الخسائر في أي حال، ولأنه لن يستطيع بعد اليوم الاتكال على التغطية التي توفّرها له تركيبة السلطة الحالية، الفاسدة والتي تتلاشى سريعاً، وستعرّضه للانكشاف.

 

ولكن، ثمة مَن يرى أنّ «الحزب» ربما يكون أمام فرصة للتقاطع مع الانتفاضة، على حساب شركائه في السلطة. فهل يمكن أن يلتقي الطرفان في منتصف الطريق، بدءاً من كشف الحقائق حول الأموال المحوَّلة واسترداد الأموال المنهوبة؟

الأمر يحتاج إلى تغييرات عميقة في جانب «الحزب». ولكن أيضاً، ربما يحتاج إلى إنضاج الظروف والمعطيات إقليمياً ودولياً، ولاسيما منها مناخ المواجهة بين واشنطن وطهران.