بعد شهر ونصف الشهر من الاحتجاجات التي شلت لبنان ووضعت طبقته السياسية في قفص الاتهام، أثار قسيس في مدينة صيدا الجنوبية ضجة كبيرة عندما طلب من أتباعه تخزين الطعام لأن السنوات الثلاث المقبلة ستكون بالغة الصعوبة.
 
وقالت صحيفة غارديان إن القس نقل إلى أتباعه نصيحة البطريرك الماروني للناس بزراعة القمح الخاص بهم، حيث يقول "قداسته إن الأزمة ستستمر لسنوات، والمجاعة تقترب".
 
تخويف أم تحذير؟
وفي لبنان -كما تقول الصحيفة- انقسم الناس بشأن كلام القس، إذ أخذه البعض على أنه "نوع من التخويف"، في حين رآه البعض الآخر "تحذيرا بارزا" من انهيار اقتصادي لا يشبه أي شيء منذ الحرب الأهلية اللبنانية.
 
ومن بيروت، قال مارتين تشولوي في مقاله بالصحيفة إن الاقتصاد اللبناني الهش يتفكك بمعدل ينذر بالخطر، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة وهروب جماعي للمال وفرض قيود على عمليات السحب.
 
وأوضح الكاتب أن هذا الوضع يشكّل تهديدا خطيرا للنظام المصرفي في البلاد، مؤكدا أن الدولة -من دون خطة إنقاذ أجنبية- سوف تتخلف عن سداد ديونها الضخمة بحلول مارس/آذار المقبل كحد أقصى.
 
وفي الفترة التي سبقت عيد الميلاد، تجلى مدى الانهيار الاقتصادي في جميع أنحاء البلاد بوضوح، مع إغلاق ما يقرب من 400 مطعم وفراغ المراكز التجارية التي تعج عادة في هذه الفترة بالمغتربين العائدين إلى الوطن لقضاء العطلات، ومع الشركات المحلية التي تبلغ عن تراجع في التجارة يصل إلى 80%، كما تقول الصحيفة.
 
ويرى الكاتب أن هذه الهاوية التي تترنح فوقها البلاد كانت من أسباب خروج اللبنانيين في حشود كبيرة إلى الشوارع منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمطالبة بإصلاح طبقة سياسية قادت لبنان ما يقرب من 30 عاما من عدم الاستقرار بعد الحرب الأهلية، وظلت تثرى من أموال الحكومة.
 
ومع أن اللبنانيين خرجوا في البداية رفضا لضريبة على تطبيق واتسباب للمراسلة، فإنهم استمروا في الاحتجاج، حيث يقول فادي عبد الله، وهو طالب من طرابلس، من موقع احتجاج مؤقت في وسط بيروت "سنخسر الكثير من العودة إلى المنزل، فإما أن تكون هذه هي النهاية، وإما أن تكون البداية. ولكننا على الأقل كنا جميعا لبنانيين حقا لفترة معينة".
تشغيل الفيديو
 
مخاوف من منظومة الفساد
ونبه الكاتب إلى أن المواطنة كانت من السمات المميزة للاحتجاجات التي وضعت الطائفية والعرقية في آخر اهتماماتها بعد أن كانت عادة مهيمنة في لبنان، فارتفعت الأعلام الوطنية بدل اللافتات السياسية والمليشياوية.
 
ومع أن الحكومات الغربية دعمت بشدة الاحتجاجات، مستغلة الزخم للدعوة إلى وضع حد لشبكات المحسوبية التي دمرت واحدا من أكثر الدول مديونية وفسادا في العالم، لكن الشارع اصطدم بمنظومة متكاملة تجذر فيها الفساد والعجز وعدم الأهلية بشكل ممنهج، وهي تعتمد في بقائها على استمرار هذا الوضع، بحسب الكاتب.
 
وبعد النشوة بالانتفاضة العابرة للطائفية، تبدأ الآن المخاوف من أن القائمين على الوضع الحالي مستعدون لإغراق البلاد في أزمة أخرى، كما يقول الكاتب، خاصة أن الأحزاب السياسية بدأت تدعو لتشكيل حكومة جديدة للسيطرة على أدوات السلطة.
 
غير أن الداعمين التقليديين للبنان لا يميلون إلى المساعدة دون إصلاحات جوهرية، فقد اشترطت فرنسا القيام بإصلاح من أجل تقديم دعم مالي، كما أن الولايات المتحدة والسعودية ربطتا أي مساعدة بنزع أنياب حزب الله المدعوم إيرانيا، كما أفاد الكاتب.
 
إضافة إلى كل ذلك، يرى الكاتب أن سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية على إيران تؤثر على لبنان، حيث يقول أحد المسؤولين "لقد قال لنا الأميركيون إننا يمكن أن نغرق في البحر ما دام حزب الله قويا".
 
وقال الكاتب إن أمراء الإقطاع وقادة الكتل السياسية، بمن فيهم المسؤولون الدروز وحزب الله، خزنوا الطعام، وحذروا في الوقت ذاته من أن الروح الوطنية المهيمنة الآن يمكن أن تتمزق بسبب الطائفية التي قد تجدد في أي لحظة عندما تصبح الظروف أكثر قسوة.
تشغيل الفيديو
 
استعداد للانهيار القادم
ويقول مدير الاتصالات في معهد كارنيجي في بيروت مهند حاج علي إن "حزب الله يحاول إعداد مجتمعه لمواجهة التحديات على جبهتين، أولاهما زيادة الإنتاج المحلي من الأغذية من خلال الزراعة وتربية الحيوانات، وثانيتهما تأمين الطرق الدولية التي تربط مناطق مجتمعه بسوريا"، وأضاف "لقد سمعت تقارير متعددة عن قيام الأحزاب السياسية بتخزين المواد الغذائية استعدادا للانهيار القادم".
 
وتوقع هذا الخبير أن أزمة إنسانية تلوح في أفق لبنان، مستندا إلى أن "القطاع الخاص يتعرض للدمار بشكل متزايد بسبب المأزق السياسي وضوابط رأس المال المفروضة بما في ذلك على الواردات".
 
وقال ألبرت لطيف، وهو مدير تنفيذي في بيروت، إن هناك حاجة إلى إنقاذ دولي لأن "تمويل العجز التجاري الكبير يتم توفيره دائما من قبل الأثرياء اللبنانيين أو المغتربين أو المقيمين بإرسال أموالهم إلى الوطن. أما الآن فلا يمكنك خداعهم، ولن تأتي أي إيرادات على الإطلاق".
 
ورغم كل ذلك -يقول الكاتب- فإن البعض ما زال يحتفظ ببصيص أمل، حيث تقول أمل هادنا (23 عاما) "كلنا نعرف ما هو على المحك. حتى اللصوص فينا يعلمون أن عليهم التغيير. سنواجه وجع القلب، لكننا سنصل إلى هناك".