أصرّ الرئيس ميشال عون على استبعاد الرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة من لون واحد لا تحظى بغطاء الثلاثي الذي تقاطع معه في تسوية ٢٠١٦، اي تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الإشتراكي»، كما لا تحظى بغطاء الناس.
 

يخوض رئيس الجمهورية مجازفة كبرى بتشكيل حكومة فئوية في عز أزمة وطنية تتطلب أوسع إجماع ممكن، وخطأه انه سيتحمّل منفرداً من الآن فصاعداً مسؤولية استمرار الانهيار، كذلك سيحصد منفرداً نجاح تجاوز الأزمة المالية غير المسبوقة، فيما كان من مصلحته إشراك الجميع في تحمُّل مسؤولية اجتياز الأزمة التي من الصعوبة بمكان اجتيازها على وقع انقسام سياسي وغياب عامل الثقة والتمسُّك بالنهج ذاته في إدارة الدولة.

 

كان يفترض بعون ان يصرّ على إشراك الجميع ويُظهر أوسع تجاوب مع مطالب الناس، بغية القول انّ حصول الانهيار في عهده لا يعني انه يتحمّل وحده مسؤولية انهيار مردّه الى سياسة اقتصادية عشوائية عمرها عقود وترتكز على المحاصصة والفساد، على رغم انه لا يمكن التقليل من مسؤوليته في النصف الأول من الولاية لـ3 أسباب أساسية:

 

ـ عدم استشرافه الانهيار الذي كان يتحدث عنه الجميع ويتوقعه، وبالتالي لم يحوِّل عهده ورشة عمل استثنائية من أجل إبعاد شبح هذا الانهيار.

ـ إطلاق يد صهره الوزير والنائب جبران باسيل الذي حوّل الاستقرار السياسي الى مجرد استثناء.

ـ فقدان الناس ثقتهم بالدولة وشعورهم بأنّ العهد الجديد يشكل استمراراً لمرحلة تصريف أعمال وإدارة الأزمة، خصوصاً انّ الوقت المستهلك بين تشكيل الحكومة الثانية وبين الأزمات السياسية على غرار حادثة البساتين وغيرها سرّع في وتيرة الانهيار.

 

وفي موازاة مسؤوليته في النكبة التي حلّت بلبنان، إلّا انه مع إصراره على تكليف وتأليف وفق شروطه لا شروط اللحظة والإجماع الوطني، فإنه يضع نفسه في «بوز المدفع» لأنه إذا فشل سيفشل وحده، خصوصاً انّ أحداً لن يحمِّل المسؤولية لرئيس حكومة تم تكليفه من طرف واحد وهو غير معروف ولا يحظى بغطاء وطني، ما يعني انّ كل التركيز سينصَبّ على العهد لا الحكومة. وصحيح انه سيقطف في المقابل ثمار النجاح أيضاً، لكنّ حظوظ هذا النجاح ضئيلة جداً، فيما احتمالات الفشل كبيرة جداً، وسيتحمّلها العهد هذه المرة مباشرة بأنه فَوّت على اللبنانيين فرصة للإنقاذ، وانه بإصراره على السياسة نفسها أدخل لبنان في المجهول.

 

وحتى «حزب الله» كان يفضِّل التريّث في التكليف، وتحدث أمينه العام عن تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ويبدي كل الحرص على عدم إظهار التكليف والتأليف المحتمل بأنه من لون واحد والهدف منه إقصاء قوى معينة، ولكنه وجد نفسه مضطراً إلى مسايرة العهد الذي اعتبر عدم التكليف يشكل تحدياً له وإضعافاً لدوره، خصوصاً انّ الحزب لم يكن يملك في المقابل أي مبادرة او أوراق بديلة لإقناع العهد بالتريّث سوى اعتماد سياسة الانتظار، ولذلك قرر مُماشاته وتغطيته.

 

وإصرار العهد على حكومة اللون الواحد مرده إلى 3 أسباب أساسية:

 

ـ إخراج الحريري على خلفية انتقامية.

ـ الاحتفاظ بالحقائب الوزارية الأساسية ومواقع النفوذ، في اعتبار انّ حكومة اختصاصيين مستقلين ستفقده هذه القدرة التي هو بأمسّ الحاجة إليها للتعويض عن خسائره الشعبية.

ـ محاولة عون إنقاذ عهده وصورته وتاريخه ومستقبل تياره وصهره بإخراج لبنان من أزمته المالية.

 

فالأزمة وقعت وصورة العهد تضررت، وهو يدرك انّ التاريخ سيسجِّل، بمعزل عن الأسباب، انّ الانهيار حصل في عهد عون. وبما أنّ ما حصل من ضرر قد حصل يريد ان يُخرج لبنان من أزمته المالية منفرداً، لكي يرفع عن نفسه مسؤولية الانهيار ويعيد تحميلها للآخرين ويظهر بمظهر البطل والمنقذ، ولا حل أمامه، بالنسبة الى العهد طبعاً، سوى هذا الحل بغية إعادة الاعتبار لعهده وتياره.

 

وهذا السلوك ليس بعيداً عن النهج الذي اتّبعه الجنرال عون تاريخياً، فهو يريد ان يحرِّر منفرداً، ورفض أي تعاون مع أي فريق سيادي في حقبة الوصاية السورية لكي لا يتقاسم ربح إخراج الجيش السوري من لبنان مع أحد، وهو يرفض اليوم أي مخرج إنقاذي وطني بغية أن يحصر الأرباح بشخصه وحده.

 

ولكن ماذا لو فشل في عملية الإنقاذ، وهذا ما سيحصل على الأرجح، لأنّ الأزمة أكبر من قدرة فريق على إعادة الاستقرار المالي، خصوصاً انّ الدعاية العونية التاريخية برَمي المسؤولية على الآخرين فقدت صلاحيتها وقوة إقناعها؟ وماذا لو تواصَل الانهيار مع حكومة عون، وهي لن تكون حكومة الدكتور دياب مع كل الاحترام لشخصه، وهذا الانهيار سيتواصل لأن لا عواصم الغرب ولا عواصم الخليج على استعداد لمَد لبنان بمساعدات مالية فورية لحكومة من لون واحد، كما انّ الإصلاح يتطلب وقتاً وخطوات مؤلمة، ولا يبدو انّ الذهنية المتحكمة في وارد الإصلاح الجدي والإقدام على التنازلات الحقيقية؟

 

والسؤال الأساس الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستسجِّل الحكومة العتيدة رقماً قياسياً في عمرها القصير الذي لن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من الأشهر؟ وما البديل بعد سقوطها المدوّي بفِعل عجزها عن وقف الانهيار؟ وهل سيكون المخرج الأوحد حينها اللجوء إلى خيار حكومة الاختصاصيين المستقلين؟

 

إنها «الخرطوشة» الأخيرة التي قرر العهد إطلاقها، فهل ستصيب هدفها الإنقاذي أم ستكون آخر فرصة ضائعة ومن بعدها غير ما قبلها؟