«حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهّم أهل الباطل أنهم على حق» - الإمام علي بن أبي طالب «إنّ أدنى مراتب الجحيم مرصودة لمن يأخذون موقف الحياد في المسائل ذات الطابع الأخلاقي» - دانتي
 

لست أدري كيف تسلل تعبير الإعتدال أو الوسطية ليصبح من الصفات الحميدة ليستعمل في مديح البعض على أساس أنه نقيض لفظة التطرف. أظن أنّ أحد أوائل من مَدح الاعتدال في التصرف كان أرسطو عند كلامه على الأخلاق عند البشر وكيفية توصيف الحكمة بأنها «الوسط الذهبي». وعند مراجعة الفكرة عند الفيلسوف، كان واضحاً أنه لم يسعَ أبداً إلى اتخاذ موقف وسطي بين نقيضين عندما تطرح إشكالية الإختيار أمام البشر. ما قاله أرسطو هو أنّ الموقف المطروح في كل مرة هو الذي يفرض حدود الاعتدال وشكله، فلا يمكن أن يكون الموقف وسطياً بين الظالم والمظلوم، أو بين القاتل والقتيل، لأنّ الوسطية هنا تعتبر بالتأكيد خنوعاً واستقالة من المسؤولية.

 

 

 

لم يكن محمد شطح في يوم من الأيام معتدلاً أو وسطياً، فقد يكون كلامه اللطيف والمهذب وسماحة تعابير وجهه توحي أنه غير ملتزم ما يقوله، أو غير مستعد للدفاع عن العدالة والحق، أو أنه سيقف على الحياد في مسائل ذات طابع أخلاقي. لكن محتوى الكلام الذي وجّهه الى رئيس إيران كان صلباً وواضحاً، بالرغم من الغلاف الناعم الذي كان يلون أطروحاته الجادة في السياسة.

 

لقد راجعتُ مرات عدة رسالته المعروفة للرئيس الإيراني حسن روحاني عشيّة انتخابه رئيساً «إصلاحياً». الرسالة ناعمة وأنيقة وإنسانية في شكلها ومضمونها للقارىء بعين الإنصاف، فلا عداوة ولا تهم، بل مجرد سرد لوقائع نافرة عن ممارسة نتاج «الحرس الثوري» في لبنان المتمثّل بـ«حزب الله». ببساطة وسلاسة فنّد محمد شطح ممارسات هذا الحزب في لبنان وتأثير تصرفاته على الإستقرار الوطني وتأثيره السلبي على الوحدة الإسلامية محلياً وإقليمياً، الواقع الذي أثار جواً مذهبياً شديد الخطورة ظهرت آثاره في ما نراه اليوم.

 

لقد ظن شطح صادقاً بأنه يتوجه برسالته إلى شخصية ذات بعد إنساني تشبه ربما الرئيس خاتمي، واعتقد أنّه سيتمكن من تليين قلب روحاني ودفعه إلى اتخاذ موقف «معتدل» على الأقل، بالرغم من أنّ المعتدي معروف، كما المعتدى عليه.

 

هذه الرسالة البريئة لم تكن أبداً لأنّ محمد شطح كان في موقفه أو أفعاله، قد ذهب بها إلى أقصى حدود الإلتزام مستخدماً أقوى سلاح يتقنه وهو سلاح المنطق. لكن تلك الرسالة لم تصل إلى ضمير روحاني، وحتى وإن وصلت وفهمها، فقد بَدا واضحاً أنه لم يكن مستعداً ليأخذ موقفاً «معتدلاً» بخصوصها، وترك للعسكر التصرف مع ذاك «الكافر المتطفل العزول» الذي تجرأ على دخول البيت الداخلي لإيران، فـ«حزب الله» جزء لا يتجزأ من تلك المنظومة، وبالتالي لا يمكن الشكوى منه لمن أعطاه الأمر ليسرح ويمرح كما يشاء، يقتل ويفجّر من يشاء، ويبلطج ويرهب متى شاء، خدمة لقضية الولي الفقيه!

 

في قصة دائماً أذكرها من ملحمة «فاوست» لغوته، أوكل «فاوست» الشيطان الذي كان يمثّل الأداة العسكرية له بمعالجة قضية بسيطة لعجوزين وقفا ضد مشاريعه ببساطة وطيبة والتزام، ظناً أنها ستحميهما من الشرير، أمام رؤيا ذات طابع كبير أعظم بكثير منهما. فما كان من الشيطان «مفيستوفيليس» إلّا أن أحرق بيتهما من دون أن يهتم إن كانوا فيه. إحترق العجوزان، وأكمل «فاوست» مشاريعه الكبرى العابرة للحدود، ولم يتوقف إلّا للحظات أمام جريمة تابِعه الشرير.

 

محمد شطح نحن نفتقد اليوم صلابتك والتزامك، لكل ذلك فقد انتقاك الشرير من بين الجميع، وهو لا يختار إلا الأفضل بيننا، لأنّ الأفضل هو، حسب قول الإمام علي، من يختار المضيّ في درب الحق الصعب والشائك والخطر ولو وحيداً، رغم أنّ درب الشر والباطل معبّد وتكثر فيه القطعان.