ثبت من المواقف التي أطلقها مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل وحرص السفارة الاميركية على توزيعها خطياً، انّ تكليف الدكتور حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة جاء نتاج «تفاهمات» وليس «انفتاحات» إقليمية ـ دولية حصلت خلال الايام القليلة المنصرمة، حسب خبراء في السياسة الاميركية، وجاء هيل ليدشّنها، وإن كانت زيارته للبنان تأتي ضمن جولة له في المنطقة.
 

يستدلّ الخبراء في السياسة الاميركية الى هذه «التفاهمات» من خلال حديث هيل ودياب في آن معاً عن حكومة تكنوقراط سيتم تأليفها، فالرئيس المكلف أكد أنّ «الحكومة القادمة ستكون حكومة اختصاصيين بامتياز». مضيفاً: «نريد تشكيل حكومة مميزة لا تشبه حكومات سابقة، إن كان على صعيد نسبة الاختصاصات المشاركة فيها أو على صعيد نسبة مشاركة النساء، من دون نسيان التوازنات المعروفة»، ومعتقداً «أنّ الاميركيين عند تأليف حكومة بهذا الشكل سيدعمونها، لأنّ هدفها إنقاذ الوضع في لبنان».

 

وفي المقابل، قال هيل ان «ليس للولايات المتحدة الآن دور أو قرار - ولا رأي - في من يقود او يؤلف حكومة في لبنان. قادة لبنان المنتخبون من الشعب هم الوحيدون القادرون على القيام بذلك. ما يهمنا جميعاً هو ما اذا كان قادة الاحزاب والمجتمعات اللبنانية سيوفون بالتزاماتهم لخدمة شعب لبنان عبر الاستجابة للحاجات والاصوات التي نسمعها. وعندها فقط يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد اللبنانيين على تحقيق امكاناتهم لتطوير هذا البلد». وحَضّ «القادة السياسيين في لبنان على الالتزام وعلى إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن»، مشدداً على «تشكيل حكومة تستطيع إجراء تلك الإصلاحات».

 

ويقول هؤلاء الخبراء انّ هذه «التفاهمات الديبلوماسية» التي حصلت ووضعت الاستحقاق الحكومي اللبناني على سكّة الانجاز، لا تعني حصول انفتاح اميركي على ايران أو انفتاح إيراني على الولايات المتحدة الاميركية، مع العلم انه كلما اقترب موعد الانتخابات الاميركية المقررة خريف 2020 كلما ضعف موقف الرئيس دونالد ترامب وقوي الموقف الايراني، ما يعني انّ اكبر وأهم إنجاز يمكن لترامب ان يحققه سيكون مع ايران، في توصّلٍ الى اتفاق معها بما يرفع رصيده الشعبي والانتخابي قبل موعد الانتخابات.

 

وفي اعتقاد الخبراء في السياسة الاميركية انفسهم، أن زيارة هيل للبنان تكتسب اهمية كبيرة، فالرجل هو نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية ومركزه مهم في وزارة الخارجية، ويقوم بجولات دولية باسم الوزير مايك بومبيو، وهو مسؤول عن مئات الموظفين في الخارجية ومنهم ديفيد شنكر.

 

فقوله ان «لا دور لبلاده في تأليف الحكومة وان قادة لبنان الذين انتخبوا من الشعب هم الوحيدون القادرون على القيام بذلك» يعني اعترافاً أميركياً بشرعية المؤسسات المنتخبة ومنها مجلس النواب التي يشكك بها الحراك، وينسف مطلب هذا الحراك اجراء انتخابات مبكرة خلال ستة أشهر، وتقصير ولاية المجلس الحالي الى ربيع 2020. لكنّ هيل في المقابل يريد على ما يبدو، إبعاد الاحزاب عن الحكومة الجديدة التي يريدها تكنوقراطية، وذلك من خلال قوله «انّ قادة هذه الاحزاب والمجتمعات اللبنانية سيوفون التزاماتهم لخدمة شعب لبنان عبر الاستجابة للحاجات والاصوات التي نسمعها»، جاعلاً من هذا الامر شرطاً لكي يساعد المجتمع الدولي لبنان. لكنّ كلام هيل لم ينطوِ على نبرة تشير الى إمكان حصول مواجهة داخلية حول الاستحقاق الحكومي لمناسبة البدء بإعداد التشكيلة الوزارية، وإنما دعا الى تأليف حكومة تحظى بثقة المجتمع وتأخذ في الاعتبار مصالح الشعب.

 

على انّ الخبراء أنفسهم يعتقدون ان لدى كل من دياب وهيل تصوّره لحكومة التكنوقراط، فدياب سينحو الى حكومة تكنو-سياسية سيكون غالبية وزرائها من التكنوقراط، في حين انّ هيل يريدها من التكنوقراط فقط، بدليل دعوته غير المباشرة الى استبعاد مشاركة الاحزاب فيها.

 

على انّ هذا التناقض بين التصورَين يطرح السؤال كيف يمكن لدياب ان يوازن عند التأليف بين موقف القوى التي سمّته والداعي الى حكومة تكنو-سياسية (حكومة تكنوقراط مطعّمة بسياسيين)، وبين الموقف الاميركي ومعه موقف حلفائه الاقليميين والمحليين الداعي الى تأليف حكومة تكنوقراط خالية من الحزبيين والسياسيين. ويبدو انّ دياب يدرك أنّ حسم هذا الامر يتطلب جهداً ووقتاً، ولذلك حدّد لنفسه 6 اسابيع لتقديم التشكيلة الوزارية الى رئيس الجمهورية.

 

وكان اللافت، على هامش زيارة هيل، غياب الحراك الشعبي من الشارع في مختلف المناطق، في الوقت الذي نزل مناصرو تيار «المستقبل « الى الشوارع مُستنكرين تكليف دياب تأليف الحكومة العتيدة، فأقفلوا الطرق في بعض احياء بيروت والطريق الساحلية الى الجنوب في محلة «الناعمة»، وكذلك في بعض مناطق البقاع والشمال وذلك في مشهد أثار السخط والاستياء على مختلف المستويات الرسمية والسياسية والشعبية، وطرح علامات استفهام حول أبعاده والخلفيات التي يتوقع ان تظهر في قابل الايام على وَقع سَعي الرئيس الملكف الى تأليف حكومته، و»التشكيك الميثاقي» بتكليفه الذي بدأ البعض يتحدث عنه محاولاً دفع الرجل الى الاعتذار...