إذا عبرت الساعات المقبلة من دون ان يتراجع الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب عن مهمته، فستكون أمامه مهمة صعبة لاستعادة ثقة الشارع السنّي. لذلك من المتوقع ان يعاند شركاؤه الى الحدود القصوى، إن مُسّت هيبة الموقع. لذلك عليهم ألّا يفاجأوا بأن يكون متعباً. وإذا صحّت هذه النظرية فما هي الظروف التي ستقود اليها؟
 

يعتقد البعض أنّ التوصيف الدولي الذي أُعطي لحكومة الرئيس المكلّف بأنّها حكومة «حزب الله» قبل أن يظهر تشكيلها وتركيبتها، قد يزيد حجم المصاعب التي ستواجهه قبل أن ينطلق مشوار التأليف، وتحديداً إذا ما أُضيفت هذه «التهمة» الى فقدان تسميته «للمشروعية السنّية» التي مسّت بها هزالة تأييده من قبل 6 نواب سنّة من أصل 27، في موازاة إجماع شيعي كامل وغير مسبوق، وتأييد مسيحي لا بأس به.

 

وفات هذا البعض، انّ دياب كان يحتسب هذه النتيجة ويدركها جيداً، وهو مستعد للمهمة. ولم يعبر أي امتحان سبق تسميته، لا عبر دار الفتوى ولا عبر العائلات البيروتية ولا الشارع السنّي. ما وفّر له العبور بأقل الأضرار الممكنة. وهو أيضاً لم يكن من الاسماء المُعلنة في استشارات الشارع المنتفض بكل تلاوينه، ولم يُدرج على لائحة الأسماء التي تعرّضت لـ»الحرق». وحظي بحماية منذ اختياره قبل فترة غير قصيرة، ليكون الورقة المستورة في مشوار التكليف، التي يمكن استحضارها في اللحظات الأخيرة، فأبعدوه عن التجارب الصعبة التي تعرّضت لها في أسوأ الظروف شخصيات سنّية، وستبقى منطبعة في حياتهم حتى نهاية العمر.

 

سينطلق دياب في مشوار التأليف وسط مسعى بإمكان ولادة حكومية سريعة تتجاوز المهل السابقة، وهي عملية يبدو انّها منسّقة من قبل في الكواليس، وهي التي وفّرت له الحد الأدنى ممّا أراده لينطلق في المواجهة الحتمية مع أصوات الأوراق البيض، ومن سمّوا أسماء أخرى للمهمة، وبشروط يُقال إنّها الفضلى، بعدما زينت بميزان الجوهرجي. فالمرحلة المقبلة في نظر طبّاخي الإستشارات لا تحتمل أيّاً من الأخطاء، فهي أخطاء لا تصنّف إلّا بـ»القاتلة»، ويمكن ان تُنهي كل ما خططوا له بالضربة القاضية. فالعهد الذي بدأ النصف الثاني من ولايته بات يعتبر انه متحرّر من التسوية التي حكمت النصف الأول منه بكل أشكالها، وما رتّبته عليه من أثمان وموجبات.

 

وينطلق أصحاب هذه النظرية ليؤكّدوا انّ من خسر مشوار التكليف لم يكن الحريري ومعه حلفاؤه الموسميون، بل انّ التسوية السياسية التي جاءت بعون الى بعبدا والحريري الى السراي هي التي وئدت وانتهت مفاعيلها كاملة. ورغم توسّع البعض بالقول إنّ المعادلات التي جاء بها الطائف هي التي انتهت ايضاً، فهناك من يعتبر أنّه لم يعد هناك ما يسمّى «اتفاق الطائف» بعد ان تحوّل دستوراً مُعتمداً يطبّق قياساً على معايير القوة وموازين القوى في لبنان والمنطقة.

 

لا يستطيع أحد التنكّر لكل هذه الوقائع والمعادلة الجديدة التي بوشر تطبيقها ان اعتمدت المعايير السياسية من دون الموازين الطائفية التي حكمت المرحلة السابقة. ذلك انّ ما حصل يؤسس لمرحلة جديدة يمتحن فيها التحالف الجديد الذي جاء بدياب على ان يكتمل الإمتحان بشكل الحكومة المقبلة والمعايير التي ستستند اليها. وهو أمر يمكن قياسه بتشكيلتين حكوميتين:

 

الأولى: إن جاءت حكومة «تكنوقراط» كما أرادها الحريري شكلاً ومضموناً سيفوز الحلف الجديد بكل ما أرادوه في غياب مقترِحها، ومن دفع الثمن غالياً من أجلها، فبقيت بعيدة منه من دون أن يكسبها.

 

الثانية: إن جاءت بحكومة «تكنو - سياسية» سيكون الامتحان أصعب بكثير، خصوصاً إذا تمّ تشكيل «مجلس وزاري مصغّر» يدير العمل الحكومي بالتعاون مع الرئيس الجديد أو من دونه، إذا شكّل عقبة أمام بعض المشاريع التي لم تُنفّذ بعد. فهو في بداية مشواره من موقعه الجديد، وقد لا يكون قادراً على مواجهة من خبروا العمل الحكومي منذ ثلاثة عقود حتى اليوم.

 

وفي الحالين، هناك من يتوقع من اليوم مواجهة من نوع آخر قياساً على معرفته بطباع رئيس الحكومة الجديد، والتي لم يُظهرها على ما يبدو، في ما سبق مرحلة التكليف. فما ستفرضه الظروف المقبلة من آلية للحكم التي عليه سلوكها لتحصين موقعه في نادي رؤساء الحكومات، ومواجهة الشارع السني الغاضب ستجبرانه على خطوات قد تكون صعبة ومُكلفة ليس عليه، بل على من راهن انّه سيكون من السهل التعامل معه. فهناك من هو متأكّد أنّ دياب سيرفض وجود «مجلس وزاري مصغّر» يطوّقه. ولذلك سيكون متعباً لحلفائه الجدد، الذين سيترحّمون على من سبقه. وهو أمر لن يظهر من اليوم. وانّ أول استحقاق كبير قد يحمل أجوبة واضحة لمدى صدقية مثل هذه التوقعات. فالتجارب السابقة تحمل أمثلة مشابهة.