قبل عرض وقائع السجون في لبنان، علمت «الجمهورية»، أنّه منذ يوم الاثنين الماضي بوشرت إعادة السجناء الى سجن جزين بعد إنهاء المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي واللجنة الدولية للصليب الأحمر تأهيله. وستبدأ في الأسبوع المقبل عملية تأهيل سجن مرجعيون بعد إخلائه من السجناء... وتفيد المعلومات أنّه يوجد على الأراضي اللبنانية 25 سجناً في عهدة المديرية العامة وإدارتها. وتبلغ القدرة الاستيعابية الأساسية 2526 سجيناً، في حين أنّ القدرة القصوى يجب ألّا تتجاوز الـ3960 سجيناً، بينما هي اليوم 6966 سجيناً أي باكتظاظ يتجاوز الـ141 في المئة كحدّ وسطيّ بين السجون اللبنانية التي تتراوح بين 222 في المئة نزولاً حتى 17 في المئة زيادة عن القدرة الاستيعابية القصوى.
 

بعيداً عن الضجيج الإعلامي والاستغلال السياسي، وضعت وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن في سلّم أولوياتها معالجة واقع السجون في لبنان. فهي تعتبر أنّ بقاء الحال على ما هو عليه من شأنه أن يسيء الى صورة لبنان في ما يتعلق بحقوق الإنسان. لذلك، شرعت منذ تسلّمها مهماتها، في درس الأطر والإجراءات الكفيلة بمعالجة هذا الملفّ، ووضع حدّ نهائيّ للواقع المأساوي، مستعينة بعلاقاتها الجيدة بالمنظمات الدولية وبممثلي الدول الأجنبية المانحة، وكان لافتاً اهتمامها، إذ أعربت عن استعدادها لدرس إمكانات المساعدة في سبيل تحسين واقع السجون على المستويات الإنسانية واللوجستية حتى تتلاءم والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

وقد استحوذت «خريطة الطريق» التي عرضتها الحسن أمام ممثلي الدول والمنظمات المانحة من أجل «الانتقال بالسجون إلى نظام احتجاز تأهيليّ»، على اهتمام المجتمع الدولي، لأنّها ترتكز على سبل تطبيق معايير حقوق الإنسان والتخصص، مع اعتماد أفضل ممارسات الإدارة ومعالجة مشكلة الاكتظاظ، والتي بحسب مصادر وزارة الداخلية، تأتي في أولى الأولويات بالنسبة الى الحسن، وهي ترى في تسريع المحاكمات أهم إجراء للتخفيف من الاكتظاظ.

 

وللإمساك بكلّ مفاصل الملفّ، بادرت إلى تشكيل فريق مهمّته التنسيق مع المانحين بهدف وضع صيغة لتطبيق خريطة طريق بالتعاون والتنسيق مع ممثلي وزارات أخرى معنية، ومع المجتمعَين المدنيّ والدوليّ.

 

وعلمت «الجمهورية» أنّ الحسن ستعرض خريطة الطريق هذه أمام مجلس الوزراء «لكي يتحمل الكلّ مسؤولياته» في هذا الملف، كما تلقّت العديد من الاتّصالات من سفراء وممثلي منظّمات دولية من أجل الاستفسار عن «خريطة الطريق» ودرس إمكانات المساعدة والدعم في الأماكن الملحّة للسجون وفي تطوير واقعها لتتحول إلى نظام احتجاز تأهيليّ.

 

وتوازياً مع هذه الجهود، تمّ تشكيل خلية تضمّ عدداً من الخبراء الاستشاريين والتقنيين، أجرت مسحاً مفصّلاً وشاملاً عن واقع السجون في كلّ المناطق اللبنانية، من النهر الكبير حتى رأس الناقورة وزحلة وراشيا والبقاع الغربي وبعلبك الهرمل شرقاً، بدأتها بالاطّلاع على مطالب السجناء واحتياجاتهم من الجانب الإنساني البحت أوّلاً، ومن ثمّ درس وضع السجون والأعمال المطلوبة لإعادة تأهيلها وتحسينها، والتي شكّلت مادّة مهمة في تصوّر الحسن الذي عُرض على المانحين.

 

وعلى خطّ موازٍ، قررت الحسن إشراك الإدارات الرسمية الأخرى، ولاسيّما وزارة العدل التي يفترض وفق القانون أن تكون ذات صلاحية أيضاً، لمعالجة الملفّ، عبر مراسلات بضرورة إيفاد قاضٍ مختصّ بشكل دوريّ لتفقّد السجناء ودرس أوضاعهم القانونية والقضائية. كما طلبت من وزارة الصحة رفد الجسم الطبي المتواضع في السجون بالأطباء والممرضين اللازمين لتأمين طبابة لائقة بالسجناء، وكذلك التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية لممارسة دورها وضبط عمل الجمعيات المختصّة لجهة ما يمكن تقديمه لتحسين الواقع المتردّي.

 

وقائع السجون

فضلاً عن اكتظاظ السجون اللبنانية، هناك 2811 سجيناً في نظارات قصور العدل والقطعات الإقليمية في لبنان ليصل العدد الإجماليّ إلى معظم نزلاء السجون والنظارات الى 9777 سجيناً، يضاف إليهم 400 موقوف لصالح قطعات قوى الأمن الداخلي موجودون لدى الجيش وباقي الأجهزة الأمنية على الأراضي اللبنانية.

 

وتبيّن في توزيع النسب المئوية لجنسية نزلاء السجون والنظارات أنّ هناك 57,6 في المئة من اللبنانيين، و28 في المئة من السوريين و14,4 في المئة من الجنسيات المتبقّية.

 

وفي محصّلة مثلاً لواقع سجن روميه في كلّ مبانيه، تبيّن أنّ هناك 3946 سجيناً بينهم 1344 محكوماً فقط، وتتناول التهم: مخدرات وسرقة وإرهاب وتأليف عصابة وقتل ومحاولة قتل عن غير قصد ونفقة وتزوير واحتيال وإتجار وشيكات بدون رصيد واعتداء على العرض وانتحال هوية وخطف. والجنسيات تغلب عليها اللبنانية والسورية والفلسطينية، إضافة الى قيد الدرس ومكتومي القيد.

 

وبات معلوماً أنّ المعضلة الأساسية لسجن روميه بأبجديّاته الأربع والأحداث والمحكومين، هي في الاكتظاظ وتأخير المحاكمات وعدم نقل البعض إلى سجون أخرى وعدم تأمين الأدوية اللازمة للسجناء وضرورة زيادة عدد الأطباء المختصين.

 

أمّا في الجنوب، فهناك 49 سجيناً في سجن بنت جبيل، و41 في مرجعيون، و121 في صور، و152 في النبطية، و100 في جزين، و121 في تبنين.

 

وفي سجن القبّة في طرابلس، يبلغ عدد السجناء 817 سجيناً، فيما الطاقة الأساسية للاستيعاب هي 450 سجيناً كحدّ أقصى، ويبلغ عدد الغرف 16 غرفة تختصّ باستقبال السجناء، ويصل عدد السجناء في الغرفة الواحدة إلى 50 سجيناً، يعاني أغلبهم من عدم المثول أمام القضاء منذ زمن طويل. بالإضافة الى سجن زغرتا الذي يضمّ 70 سجيناً، وحلبا 86، ودوما 33، والبترون 60، وجبيل 51، وأميون 50، وراشيا 46، وفي البقاع الغربي جب جنين 91، وفي جبل لبنان عاليه 90 سجيناً.

 

سجون النساء

تتوزع 304 سجينات على السجون المخصصة للنساء. ففي بيروت وجبل لبنان، هناك 173 سجينة في سجن النساء في بربر الخازن بيروت، وفي سجن نساء بعبدا، و96 سجينة في سجن نساء القبّة وسراي طرابلس، و35 موقوفة في سجن زحلة، و4 موقوفات في سجن القاصرات. لكنّ اللافت أنّ هناك طفلاً عمره سنة تقريباً في سجن نساء زحلة مع والدته الموقوفة، وطفلة رضيع حديثة الولادة في سجن بربر الخازن خصصت لها إدارة السجن غرفة للمرضعات والحوامل، تعاني نقصاً في تأمين المستلزمات التي تحتاج إليها المرضعة والطفل.

 

وتعاني السجينات من صعوبة وصول ذوي بعضهن في أوقات المواجهة لكون أماكن إقامتهم خارج مدينة بيروت، فيما تكون السجينة موقوفة لصالح النيابات العامة خارج بيروت، في جبل لبنان أو الشمال أو الجنوب، وهناك ضعف في تقديم الاستشارات القانونية من قبل الجمعيات المرخّص لها الدخول الى السجن، حيث يوجد عدد لا يستهان به من الموقوفات في حاجة إلى توكيل محامين لمتابعة أوضاعهن القانونية وبتّها، فضلاً عن حاجة بعض السجينات لمساعدات مادية لدفع الغرامات والكفالات، حيث تُضطرّ السجينة إلى تنفيذ الغرامة حبساً، لأنّها لم تتمكّن من دفعها.

 

وفي الحلول لمشكلة الاكتظاظ، تشير مصادر معنية إلى ضرورة السير بالمخطّط التوجيهيّ لبناء 3 سجون حيث انتهت الترتيبات لوضع حجر الأساس لبناء سجن جديد في مجدليا (زغرتا) على العقار رقم 140 في منطقة مجدليا العقارية وتبلغ مساحته 29 ألف متر مربع، وتمّ تأمين المال اللازم من قبل مجلس الإنماء والإعمار. إضافة إلى وجود دراسة نموذجية جاهزة لعقار مخصّص لقوى الأمن الداخلي في منطقة الكفور العقارية في النبطية وعلى مساحة 25 ألف متر مربع، كما يوجد عقار مخصّص لقوى الأذمن الداخلي في منطقة لالا في البقاع الغربي على مساحة 47047 متراً مربعاً. وينتظر البدء بتلزيمهما تأمين الأموال اللازمة لذلك، والمقدّرة بحوالى الـ120 مليون دولار أميركي.

 

... وفي النظارات أيضاً

ويشير المصدر إلى أنّ هناك 2811 سجيناً في نظارات القطعات الإقليمية التابعة لقوى الأمن الداخلي، بحيث أنّ الحلّ الأمثل لتحسين ظروف التوقيف يكون عبر النظارات المنتشرة على كلّ الأراضي اللبنانية والبالغ عددها 316 نظارة، وترميمها لجهة أعمال التهوئة وتدعيم الأبواب وأشغال صيانة مختلفة، وتقدّر التكلفة اللازمة لذلك حوالى 500 ألف دولار أميركي، فضلاً عن ضرورة استحداث تجمّع للنظارات ضمن نطاق كلّ سرية إقليمية بكلفة تقدّر بمليون ومئتي ألف دولار أميركي، علماً أنّ الاكتظاظ في نظارات القطعات العملانية تسبب شللاً فيها، بحيث أصبحت هذه القطعات غير قادرة على القيام بمهماتها الأساسية المكلّفة بها لجهة مكافحة الجريمة والقيام بواجب الضابطة الإدارية نظراً لانشغالها بإدارة شؤون الموقوفين، حتى تحوّلت جميع المخافر والفصائل والمفارز والمكاتب في قوى الأمن الداخلي إلى سجون على امتداد الوطن تفتقر إلى أدنى المتطلبات، وفقاً للقواعد الدنيا لمعاملة السجناء ومبادئ حقوق الإنسان. مع الإشارة إلى أنّ بناء السجون وتحسين واقع النظارات هو حلّ متوسط الأمد، لأنّه في حال تمّ في الأعوام الثلاثة المقبلة، فإنّه بالكاد سيواكب الارتفاع المطّرد لأعداد السجناء، إذا بقي هذا الارتفاع بالمنسوب الحالي.

 

ومؤخّراً، قامت الحسن بالتعميم على الوحدات المختصة في كلٍّ من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام وجوب التقيّد بالتعميم الصادر من النائب العام لدى محكمة التمييز، والمتعلق بإجراءات تطبيق المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية حول الضمانات اللازمة لحماية المشتبه فيه وحقوقه ومنها إمكانية مقابلة محام..

 

في الختام، تبقى العبرة في تحمّل الجميع مسؤولياتهم. إذ لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، فتُرسم صورة غير حضارية للبنان في الخارج. وهو ما أكدت عليه الحسن في لقائها ممثلي الدول والمنظمات المانحة حين استشهدت باقتباس لنيلسون مانديلا قال فيه: «يُقال إنّه لا يمكن التعرف إلى أمّة حقاً حتى ندخل سجونها. لا ينبغي الحكم على أمة من خلال معاملتها لنخبة مواطنيها، بل من خلال معاملتها لأضعف مواطنيها».