مع دخول الانتفاضة الشعبية شهرها الثالث ترد السلطة السياسية بتهميش أولئك المواطنين العابرين للمناطق والطوائف من خلال تكليف الوزير السابق حسان دياب تشكيل الحكومة العتيدة . خصوصا أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي يمر بظروف إستثنائية والناس تشعر بالخوف من انهيار المؤسسات الخاصة الواحدة تلو الأخرى مع ما يستجلبه ذلك من بطالة ومشاكل ذات طابع اجتماعي. 
 
بدءاً من الغد سيدخل لبنان مرحلة حرجة، فهل سيسود في لبنان منطق الحكمة والتعقّل، أم  سيختار البقاء في وضع البلد المعلّق الذي لا يعرف أين مصلحته؟ هذا السؤال الأساسي يطرح نفسه بإلحاح، خصوصا أنّه ليست هناك جهة معيّنة مستعدة لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني في غياب شروط معيّنة باتت أكثر من معروفة. وفي ظل هذه المعطيات المتزامنة مع وصول ديفيد هيل، في ظل الواقع اللبناني المأزوم حيث أن السلطة السياسية  ستتفرّغ لتفكيك الرسائل التي سيحملها مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية. صحيح انّ الاقتراحات التي سيحملها حول ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية سيأخذ جانباً من الاهتمام الداخلي، إلاّ أنّ الاوساط السياسية والاعلامية ستنشغل أكثر بالرسائل التي سيحملها والتي تتمحور حول الأزمة السياسية الداخلية الخانقة.
 
في العادة، فإن المكتوب يُقرأ من عنوانه، ذلك انّ الاوساط الديبلوماسية الاميركية استمرت بالحديث طوال الايام الماضية عن توقعاتها حول ازمة لبنانية طويلة، وانّ لا حلول تبدو في الأفق القريب. بل اكثر، فإنّ الكلام الاميركي على التحضير لمساعدات غذائية للبنانيين، لأنّ الازمة المالية والاقتصادية ستشتد حول رقابهم.
 
وفي الواقع، هنالك من يرجّح أن يعمد الديبلوماسي الاميركي للتطرّق الى الواقع الاقتصادي والمالي الخطير للبنان وانعكاساته الكارثية على اوضاع اللبنانيين، وانّ العاصمة الاميركية كما العواصم الغربية الاخرى، لن تُقدم على مدّ يدّ المساعدة المالية للبنان الّا بعد تشكيل حكومة تحظى بالمواصفات والمصداقية المطلوبة، وفي طليعتها إبعاد الاحزاب والقوى السياسية عن الحقائب الدسمة والمنتجة. 
 
الطابة اليوم عند عون وفريق الأكثرية، وسط احتمالات كثيرة، سيتم إعتمادها، وستكون بمثابة مسار لا تعرف نتائجه، ولاسيما مسار حكومة اللون الواحد، إذ تنتظر هذه الحكومة موجة عارمة من الرفض الشعبي، كما من المحتمل أن ينتظرها حصار وعدم اعتراف دولي وعربي، وهذا ما كان يفترض بالرئيس الحريري أن يواجهه لو قرر إكمال مهمة تشكيل الحكومة.
 
يعرف حزب الله أكثر من فريق العهد، مدى خطورة السير بخيار واضح في مواجهة العرب والمجتمع الدولي من دون أن تكون في الواجهة شخصية تحظى بالقدرة على تلقّي الصدمات كالحريري، ولذلك ليس من السهل السير بخيار حكومة الفريق الواحد، خصوصاً في ظل انفلات الوضع الامني، واستمرار لعبة توتير الشارع، والرهان على القضاء على الانتفاضة لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة. ولهذا، فإنّ الأيام المقبلة سوف تشهد الكثير من التسارع في الاحداث، انتظاراً على الاقل لمعرفة ما سيقوله السفير ديفيد هيل في بيروت. 
 
في ظل هذه المعطيات، تؤكّد مصادر سياسية أخرى، أن مهمة تشكيل الحكومة لن تكون سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أن التسمية اليوم لا تعني الوصول إلى برّ الأمان، فالمكلف فقبل الوصول إلى مرحلة التأليف المطلوب أن يتم تجاوز تحديين بارزين، من المفترض أن يظهرا خلال الفترة المقبلة التي ستلي التسمية في حال تخطي تجاوز عدم التسمية من قبل القوى والشخصيّات السنّية الفاعلة، الأول يتعلّق بالموقف الدولي مع اسمه، أما الثاني فيتعلق بموقف الشارع الذي رد باكراً بالتصعيد رفضاً للتكليف.
 
بالنسبة إلى التحدي الأول، تشير هذه المصادر إلى أن المواقف من المفترض أن تظهر سريعاً، لكن من حيث المبدأ قد تكون مرتبطة بالكيفيّة التي سيتعامل معها الشارع بالدرجة الأولى، أي التحدي الثاني، وهنا لا يمكن الحديث عن شارع واحد، بل يجب الحديث عن الشارع السنّي الذي قد يرفض هذه التسمية، بالإضافة إلى رصد موقف المجموعات الفاعلة في الحراك الشعبي أيضاً، وتضيف الأساس أنّ الأكثريّة النّيابية ليست وحدها المقرّر على هذا الصعيد.
في المحصّلة، بعد الإنتهاء من الإستشارات النيابية الملزمة، المعروفة النتائج منذ ما قبل إنطلاقتها، سيكون على رئيس الحكومة المكلّف إنتظار ردّات الفعل على تسميته، التي قد تدفعه إلى الإعتذار، رغم الأكثريّة التي سيحصل عليها، وبالتالي إمكانيّة العودة إلى المربّع الأولى من جديد. 
 
في الختام، لا شكّ أنّ الصراع الإقليمي بين كل من واشنطن وطهران مُستمرّ، والمُلاحظ يبدو أنّ عقبة جديدة ستضاف إلى العقبات الكثيرة التي حالت حتى اليوم دون ولادة حُكومة جديدة تبدأ مُهمّة إنقاذ لبنان من الإنهيار، من دون أن يظهر بعد الضوء الذي يُؤشّر إلى قرب الخروج من النفق المُظلم.