تراقب الدول بقلق التسابق التركي والروسي للسيطرة على شرق البحر المتوسط وجنوبه والذي برز عقب توقيع تركيا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والتي تسمح لها بالمطالبة بحقوق في مناطق واسعة من شرق البحر المتوسط تطالب بها دول أخرى، خاصة اليونان ومصر وإسرائيل.
 
ويأتي ذلك بينما تتواتر الأنباء عن تعزيز روسيا لحضورها العسكري في ليبيا من خلال إرسال قوات للقتال إلى جانب الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وهو الأمر الذي أثار انزعاج الولايات المتحدة التي يشكل وجود روسيا جنوب المتوسط تهديدا لنفوذها.
 
ويربط مراقبون الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى المنطقة بهذه التطورات حيث التقى الثلاثاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. ويبدو أن اليونان وهي المتضررة الأولى من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا تحاول الاستنجاد بثقل السعودية التي تربطها علاقات قوية بمصر لحث القاهرة على حسم موقفها المتردد في التعاطي مع هذا الملف.
 
ووفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس) فقد جرى خلال اللقاء “بحث أوجه التعاون الثنائي بين المملكة واليونان، والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، إضافة إلى استعراض المستجدات في المنطقة”.

كما تراهن اليونان من خلال جولة وزير خارجيتها إلى المنطقة والتي ستشمل الإمارات والأردن على تحرك عربي داخل جامعة الدول العربية لسحب الاعتراف بحكومة الوفاق ما من شأنه إضعاف اتفاقية التفاهم الليبية التركية وهو الأمر الذي قد يمهد لإسقاطها في اجتماع الأمم المتحدة.

وسحبت اليونان اعترافها بحكومة الوفاق وطردت سفير ليبيا على إثر توقيع طرابلس مذكرة التفاهم مع أنقرة، ووصفت الخطوة بغير الشرعية باعتبار أن اتفاق الصخيرات الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق لا يمنحها حق إبرام اتفاقيات ومعاهدات.

وعلى إثر ذلك استقبلت الجمعة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح الذي يتحرك منذ فترة لسحب الشرعية عن حكومة الوفاق وسط حديث عن البدء في المشاورات لتشكيل حكومة جديدة يعد السفير السابق لدى الإمارات عارف النايض أحد أبرز المرشحين لرئاستها، حيث اجتمع الثلاثاء في القاهرة مع المبعوث الأممي غسان سلامة ونائبته ستيفاني ويليامز.

والخميس الماضي أرسلت تركيا مذكرة التفاهم لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا إلى الأمم المتحدة لإقرارها في تحدّ للأطراف الرافضة لها.

وكان الاتحاد الأوروبي رفض الأسبوع الماضي الاتفاقية بين تركيا وليبيا واعتبرها تنتهك الحقوق السيادية لثلاث دول ولا تمتثل لقانون البحار ولا يمكن أن تنتج عنها أيّ تبعات قانونية بالنسبة إلى الدول الثلاث.

وفي خضم هذا التوتر تنظر تركيا بقلق إلى تحركات الجيش الليبي وسعيه للسيطرة على طرابلس الذي من شأنه أن يأتي بحكومة جديدة تحظى بشرعية داخلية أكبر ما يضع اتفاقيتها مع حكومة الوفاق على المحك.

لذلك تدعم أنقرة بالسلاح ميليشيات حكومة الوفاق في معركة التصدي للجيش لدخول العاصمة التي انطلقت في أبريل الماضي وتزايدت حدتها مؤخرا عقب إطلاق خليفة حفتر لإشارة الهجوم الحاسم على طرابلس. وتستعد أنقرة لإرسال قوات إلى ليبيا من شأنها تغيير موازين القوى لصالح الميليشيات.

وتبدو موسكو وأنقرة أبرز لاعبين في الأزمة الليبية حاليا وسط تراجع تدخل عدد من الدول خاصة فرنسا وإيطاليا.

وتباحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء، هاتفيا، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حول الأزمة الليبية.

والثلاثاء، قال الكرملين إن الرئيس الروسي سيبحث مع نظيره التركي الشهر المقبل خطة تركية لتقديم الدعم العسكري لحكومة طرابلس.

وتدعم روسيا الجيش الليبي واستقبلت مرارا خلال السنوات الماضية قائده المشير خليفة حفتر، لكن تقارير صحافية غربية تحدثت خلال الأشهر الماضية عن إرسال موسكو لقوات للمشاركة في معركة السيطرة على العاصمة وهو ما نفته على لسان أكثر من مسؤول.

ويفسر بعض المراقبين صمت الولايات المتحدة بشأن استفزازات أنقرة المتتالية للّيبيين بغضبها من التدخل الروسي. ويرى هؤلاء أن الولايات المتحدة أوكلت لتركيا مهمة التصدي لروسيا في ليبيا.

ونهاية نوفمبر الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن مسؤولين التقوا المشير خليفة حفتر لبحث الخطوات التي يجب القيام بها لإنهاء النزاع في هذا البلد، واتهموا روسيا بـ”استغلال” النزاع فيه.

وتبدو إيطاليا أكبر المتضررين من التطورات الأخيرة التي تشهدها ليبيا وهو ما دفع وزير خارجيتها لويجي دي مايو لزيارة طرابلس وبنغازي الثلاثاء.

وفي حين اكتفت حكومة الوفاق بالإشارة إلى تأكيد الوزير الإيطالي على دعمه للحل السلمي في ليبيا، ذكرت وسائل إعلام إيطالية أن الاتفاق التركي-الليبي تصدّر المباحثات.

ويقول مراقبون إن التقارب الفرنسي مع حكومة الوفاق استفز إيطاليا التي تحاول استعادة المبادرة في ليبيا.

ووافقت حكومة الوفاق مؤخرا على بيع مؤسسة النفط لـ16 بالمئة من حصة شركة الواحة النفطية لصالح شركة “توتال” وسط أنباء عن طرح المؤسسة عطاءات للشركات الفرنسية في فبراير المقبل. كما أعلنت حكومة الوفاق أن الأولوية ستكون لشركة توتال الفرنسية في المجال الاقتصادي الجديد الذي تحصلت عليه ليبيا بعد توقيع الاتفاقية مع تركيا، باعتبار أن “إيني” الإيطالية سبق وأن وقعت عقودا مع مصر واليونان.

ويقول مراقبون إن هدف حكومة الوفاق من خلال التقرب من فرنسا هو استمالة باريس وفي نفس الوقت استفزاز إيطاليا التي اختارت في الحرب الأخيرة الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وهو الأمر الذي أغضب الإسلاميين منها وسط أنباء عن إمكانية طرد قواتها من قاعدة مصراتة التي تتواجد فيها بذريعة إنشاء مستشفى ميداني لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص التي أطلقت لمحاربة داعش في سرت في 2016.

وشكل التنافس الفرنسي الإيطالي على ليبيا خلال الفترة الماضية أبرز مظاهر التدخل الخارجي في ليبيا والذي يمنع الفرقاء من التوصل إلى تسوية.