وكأنّ اللبنانيين ومعهم إخوانهم النازحين السوريين، لم تكفهم هذه الأيام المحنة الإقتصادية والإجتماعية والمالية والسياسية التي ألمّت بهم جميعاً، بطالة تتسارع مع إقفال المؤسسات والشركات التجارية والفنادق السياحية والمطاعم، نقصٌ حادّ في العملات الأجنبية، أزمة حكومية تستفحل يوماً بعد يوم منذ انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول الفائت، تدهورٌ ملحوظ في الخدمات العامة من طبابة وتعليم ونور ومياه وبيئة نظيفة، كأنّ كلّ هذه المصائب لم تكفِ اللبنانيين والسوريين حتى جاء قرار النظام السوري بمنع دخول المواد الغذائية الأساسية والمنتوجات الزراعية إلى لبنان، وكأنّ هذا القرار إنّما جاء ليزيد الطين بلة، ومزيدٍ من خنق اللبنانيين، ومزيدٍ من خنق أحوال حوالي مليون ونصف مليون نازح سوري، وهم يعتمدون في محنتهم المتمادية على ما يستوردونه من بلدهم للاستهلاك، أو التجارة والارتزاق، وفي حين كان اللبنانيون يأملون بأن يفتح النظام السوري صدرهُ قليلاً لاستقبال "مُواطنيه" النازحين إلى لبنان، لتخفيف العبء على لبنان المُضيف، وإنهاء مأساة التهجير والبؤس الذي يحياها النازحون في حلّهم وترحالهم، إذ به يلجأ اليوم لمثل هذا التدبير بمنع دخول البضائع السورية إلى لبنان، وكأنّنا به يُلاحقهم بالتّجويع بعد التّهجير.
 
قال أبو طاهر القرمطي، وهو الخارجيُّ الطاغية الذي أغار على مكّة سنة ٣١٧ هجرية وقتل الألوف واقتلع الحجر الأسود، في خُطبةٍ يُخاطب بها الزّنج: إنّكم قد أُعِنتُم بقبح مظهرٍ فاشفعوهُ بقُبح مَخبَرٍ، اجعلوا كلّ عامرٍ قفراً، وكلّ بيتٍ قبراً.