ما خلفية إعلان الوزير جبران باسيل انتقاله إلى المعارضة؟ وهل تبنّيه لحكومة الاختصاصيين يتقاطع مع طرح «القوات اللبنانية»؟ ولماذا دعا الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال؟
 

لا يريد العهد إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري، ويعتبر انّ استقالته من دون التنسيق معه أحرجته وأضعفته وأخلّت بموجبات التسوية القائمة بينهما. كما انّ العهد صاحب نظرية، إما الحريري وباسيل خارج الحكومة وإما الإثنان داخلها ومروِّج لها. حيث يرفض ان يساوي نفسه بالحريري بل يضعه على قدم المساواة مع باسيل، علماً انّ أحد مرتكزات التسوية قائم على قاعدة الرئيس ميشال عون في بعبدا والحريري في السراي.

ولا تختلف وجهة نظر العهد عن وجهة نظر «حزب الله»، التي عبّر عنها صراحة السيد نصرالله في إطلالته الأخيرة، بأنّ استقالة الحكومة لم تكن في محلها بسبب تعذُّر تشكيل أخرى، ولأنّه كان في إمكانها معالجة الوضع المالي والاقتصادي بالتوازي مع انتفاضة الناس.

وفي هذا السياق تحديدًا يعتبر العهد انّ استقالة الحريري وضعته في مواجهة مباشرة مع الشارع، فيما بقاء الحكومة كان جنّبه هذه المواجهة، وبالتالي كان يريد من الحريري الالتزام بقاعدة «يسواني ما يسواك»، وأن لا يترك العهد وحيداً في هذه المعمعة من أجل ان يخلِّص نفسه.

وكشف نصرالله في الإطلالة نفسها أيضًا عن وجود خلاف جدّي داخل فريق 8 آذار بين من يريد حكومة اللون الواحد ومن يرفضها. ومعلوم انّ الثنائي الشيعي ضد هذا الخيار تجنّباً لاستفزاز الشارع السنّي واستبعادًا للفتنة المذهبية، ولأنّ هذا الخيار غير قادر على مواجهة التحدّيات المالية والاقتصادية، فيما العهد، او باسيل تحديداً، كان مع حكومة اللون الواحد لخلفيات انتقامية من الحريري فقط لا غير، ومن دون أدنى تفكير حيال قدرة هذه الحكومة على الصمود أمام الشارع والمال والخارج.

وبفعل رفض الثنائي الشيعي حكومة اللون الواحد، انتقل العهد إلى حكومة التكنو- سياسية، وهي حكومة سياسية بمسمّى تكنو، في محاولة لتمريرها في الشارع. وهنا أيضاً وقع الخلاف بين العهد الذي يريد تكليف شخصية غير الحريري، وبين الثنائي المتمّسك بالأصيل لا الوكيل. والخلاف يعود إلى سببين: لأنّ العهد يريد استبعاد الحريري لاعتبارات شخصية انتقامية، ولأنّه يريد ان يتجنّب الإحراج بخروج باسيل وعودة الحريري.


وحيال هذا التعقيد قرّر العهد تبدية التأليف على التكليف، وفتح أبواب بعبدا أمام الشخصيات الراغبة بالتكليف بشروط العهد. ومع فشل هذه المحاولة المثلثة (محمد الصفدي، بهيج طبارة، سمير الخطيب) التي تُخرج الحريري وباسيل معاً من الحكومة، قرّر الانتقال إلى اقتراح جديد تحت مسمّى «حكومة اختصاصيين» ميثاقية من رأسها إلى كل وزرائها، والهدف من هذا الاقتراح استبعاد الحريري عن طريق تطبيق معادلة الحريري وباسيل خارج الحكومة، وذلك بغية عدم الاعتراف بأنّ خروجه من الحكومة حصل تحت ضغط الناس، بدليل انّ كل القوى السياسية غير مشاركة في الحكومة، ومحاولة أيضاً لـ»بلف» الشارع بأنّه يستجيب لأحد مطالبه بتشكيل حكومة اختصاصيين.

والفارق الجوهري بين طرح باسيل وطرح «القوات»، انّ الأول تحت شعار الميثاقية يريد ان يتحكّم بتسمية الوزراء ربطاً بالتوازنات التي أفرزها مجلس النواب، ما يعني «تيتي تيتي». فيما الثاني يعتبر انّ الأكثرية الحاكمة أوصلت البلد إلى الانهيار، وانّ المطلوب كفّ يدها مؤقتا عن إدارة البلد بهدف إخراجه من الأزمة المالية، وهذا الكف لا يكون باستبدال وزراء سياسيين بتكنوقراط تديرهم القوى نفسها، بل يكون من خلال اختصاصيين مستقلّين عن جميع القوى السياسية في تغيير للذهنية التي حكمت البلاد وقادتها إلى الفشل.

ومن أجل إقفال الباب أمام أي عودة محتملة للحريري على رأس أي حكومة، أعلن العهد عبر مصادره رفضه المشاركة في حكومة يرأسها الحريري، قائلاً: «لا يراهننّ أحد أننا سندخل الحكومة بطريقة غير مباشرة عبر حصّة لرئيس الجمهورية أو أن تكون هناك مشاركة حتى للرئيس.. الأمر محسوم، لن تكون هناك حصّة لا للتيار ولا للرئيس في حكومة يرأسها سعد الحريري».

والخلفية الكامنة وراء هذا الموقف، القول انّ رئيس الجمهورية الذي يشكّل الرأس الأول للسلطة التنفيذية، ومن خلال رفضه ان تكون لديه حصة وزارية في حكومة يرأسها الحريري، يرفض ان يمنح الشرعية المسيحية للحكومة الممثلة برئيس الجمهورية لا باسيل، كون عون هو الرئيس الفعلي للتيار والتكتل وصاحب التمثيل المسيحي، ولكن تلميحه بعدم المشاركة يؤشر إلى خطورة أكبر وهي انّه لن يترأس مجلس الوزراء ولن يطّلع على جدول أعمال جلسات الحكومة، في سابقة أولى من نوعها منذ «اتفاق الطائف»، وبالتالي ذهب إلى التصعيد حتى أقصاه.

من الثابت انّ العهد يخوض مواجهة «يا قاتل يا مقتول» مع الحريري، الذي انتقلت العلاقة معه من الغرام غير المفهوم إلى الانتقام غير المبرّر. والفارق بينه وبين الثنائية الشيعية، انّ العهد يبدّي الحسابات الشخصية في العلاقة مع الحريري على السياسية، خلافاً للثنائية التي لا تريد في الوقت نفسه ان يخرج العهد من مسار التكليف مهزوماً، وبالتالي، بين الثنائية المعترضة على حكومة اللون الواحد، والعهد المعترض على تكليف الحريري، والطائفة السنّية المعترضة على تجاوز الدستور في مسار التكليف والتأليف، والشارع الذي يريد حكومة اختصاصيين مستقلّين بعيدة عن القوى السياسية من رأسها إلى كل وزرائها، والذي يواجه مطلبه باعتراض من العهد والثنائية الشيعية، فإنّ هذا الغياب للمساحة المشتركة للتأليف دفع السيد نصرالله الى المطالبة بتفعيل حكومة تصريف الأعمال. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال إيقاف الانهيارات المالية المتتالية والمستمرة؟ بالتأكيد كلا، وبالتالي يبقى السؤال: ما العمل، وإلى متى؟