لا للإستشارات النيابية التي لا تلبي مطالب الثورة
 

أنهت ثورة 17 تشرين شهرها الثاني بالإستمرار في التواجد في الساحات والشوارع، و بالمزيد من الإصرار والتحدي على تحقيق المطالب، ولعلها المرة الأولى بتاريخ لبنان التي تستمر فيها التحركات الشعبية وذلك لسبب وحيد وهو أنها آمنت بالوطن الواحد، وأنها خرجت طوائفها وأحزابها وزعمائها، ولانها أُعلنت ثورة على كل الواقع المزري الذي وصلت إليه البلاد، الواقع المزري والرديء الذي عرفت هذه الثورة أسبابه جيدا، هذه الاسباب التي تبدأ بالطائفية والحزبية السياسية لتتصل لاحقا بتقديس الزعماء واعتبارهم خارج النقد والمحاسبة، الامر الذي أدى إلى تكريس هذا الواقع المؤلم الذي أودى بلبنان إلى شفير الهاوية الإقتصادية والاجتماعية والمعيشية والمالية وغير ذلك كثير.

إنطلقت هذه الثورة تاركة وراءها الكثير من التحريض الطائفي والمذهبي والسياسي الحزبي، إنطلقت وعينها على التجديد والإصلاح والرقابة والمحاسبة وتطبيق القوانين التي تحمي الدولة ومؤسساتها وماليتها من الإعتداء والسرقة والنهب، وتعرضت هذه الثورة للكثير من التجني والإتهامات والتخوين والإستغلال، ورفضت كل ذلك في محاولة للإبقاء على نظافتها وسلميتها ووحدة مطالبها التي من أهمها أنها لا تستثني أحدا من كل السلطة وأزلامها وأحزابها وزعمائها بالرغم من محاولات بعض الأحزاب الهيمنة والاستغلال وركوب موجة الثورة للهروب من المحاسبة.

إقرأ ايضاً : فضيحة برسم رئيس الجمهورية

 

بدأت ثورة 17 تشرين في لبنان بمشهد قل نظيره على امتداد الساحات اللبنانية كافة وما زالت قوة شعبية حية قادرة على الإستمرار والتحدي بوجه سلطة تصرّ هي أيضا على تحدي الوعي الجماهيري ووعي الشارع ولم تقتنع بعد بأن ما بعد 17 تشرين ليس كما قبله وأن الكلمة اليوم هي للشارع وللشعب الذي يرفض كل المعالجات القائمة على الترقيع والهروب من المسؤولية والمحاسبة، وكأن ما حصل خلال السنوات الماضية منذ عام 92 إلى اليوم لم يكن من صنع الطبقة السياسية نفسها ولم يكن من صنع الاحزاب السياسية نفسها، في وقاحة موصوفة وفي إصرار وقح، لتتحدث هذه السلطة نفسها اليوم عن استشارات ستبدأ في القصر الجمهوري لتسمية رئيس للحكومة من التركيبة نفسها وبالذهنية نفسها، الذهنية التي أوصلت البلاد إلى ما نحن فيه من الفوضى والإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي.

إقرأ ايضاً : الثورة الباقية

 

هدف الثورة منذ بدايتها لم يكن استقالة الحكومة وحدها، وأما وقد استقالت فإن المطلوب اليوم حكومة جديدة على مستوى الآمال والطموحات وعلى مستوى الأهداف المطروحة، حكومة إنقاذ ما تبقى واستعادة هيبة الدولة وماليتها ومؤسساتها، حكومة استعادة القضاء والأموال، حكومة الرقابة والمحاسبة، حكومة التخطيط والتنظيم ووضع الخطط والبرامج لمعالجة الوضع الإقتصادي والمالي، حكومة إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد إقرار قانون انتخابي عادل، وحكومة بهذه المواصفات لا يمكن للطبقة السياسية نفسها أن تقوم بها والدليل هو ما جرى ويجري منذ استقالة الحكومة حتى اليوم من سجالات ومداولات أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها "محن سياسي موصوف" وأنها إصرار على الحقبة السابقة الفاسدة والناهبة لكل مقدرات الدولة.

الثورة اليوم أمام امتحان جدي وحقيقي إما أن تسمح بتضييع الأهداف والمطالب وإما أن تستمر بزخم أكبر وتحدي أكبر لرفض الصيغ والتركيبات الهشة التي تعمل عليها اليوم الطبقة السياسية من خلال بداية الإستشارات النيابية في بعبدا.

بعد شهرين على الثورة في لبنان ما زلنا في بداية الطريق وبالغم من بعض الإنجازات إلا أن الأهم لم يتحقق بعد وبالتالي فإن الثورة مدعوة إلى المزيد، وفي الوقت نفسه المزيد من الحذر والتصدي لكل محاولات الشيطنة والتخوين والاستغلال وقوة الثورة بالتعالي عن كل ذلك لتبقى العيون على الأهداف والمطالب المحقة.