اشار ​السيد علي فضل الله​ الى ان ​لبنان​ لا يزال المشهد السياسي فيه على حاله من المراوحة منذ تأجيل موعد الاستشارات التي كانت ستجري في الأسبوع الفائت، بعد أن توقفت المشاورات بين القوى السياسية الفاعلة، حيث لا يزال كلّ فريق مصراً على موقفه في نوعية ​الحكومة​ أو من يتمثلون فيها، من دون أن يتقدم خطوة للقاء مع الآخر، مستعيناً بذلك بغطاء طائفته أو مذهبه أو بعناصر القوة الداخليّة أو الخارجيّة.

ولفت فضل الله خلال خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في ​حارة حريك​، الى انه من الطّبيعيّ إن استمرَّ هذا الوضع أن يؤدي إلى احتقان في الشارع بكلّ ما يترتّب عليه من مخاطر، وهو بالطّبع بات ينعكس على الواقع الاقتصاديّ والنقديّ الَّذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ويعبر عنه ازدياد مشاهد ​الفقر​ والحاجة وطوابير من ينتظرون على أبواب البنوك يريدون أموالهم لتسيير أعمالهم أو لسد حاجياتهم، وهم لا يحصلون منها إلا على الفتات، واستمرار تسريح ​العمال​ والموظفين من أعمالهم، أو عودة مشهد ​السيول​ التي حصلت مجدداً في الأيام الماضية، ويُخشى أن تتكرر، في ظل عدم معالجة أسبابها، أو النقص الَّذي بدأنا نشهده في الدّواء و​المستلزمات الطبية​ أو المواد الغذائيّة. وما يزيد قتامة هذا الوضع هو خفض التصنيف الائتماني للبنان ولعدد من البنوك وما يترتَّب على ذلك من آثار سلبية.

ولفت الى إنّنا أمام هذا الواقع، نجدّد دعوتنا للقوى السياسيّة باسم كلّ المتألمين والخائفين على حاضرهم ومستقبلهم، أن كفى إهداراً للوقت ولعباً بمصير بلد يتداعى وعلى شفير الانهيار، فأنتم معنيّون بإخراجه مما يعاني من أزمات، ولا يحق لأي منكم أن يتنصل من مسؤوليته، أو أن يستقيل منها، أو أن يحرد لأنه لم يحصل على ما يريد. لقد تسلَّمتم مسؤوليّة هذا البلد، وعليكم أن تخرجوه من أزماته ومما يعانيه، وأنتم قادرون إن خرجتم من حساباتكم الخاصة إلى حسابات الوطن وإنسانه.


واعتبر إنَّ المرحلة ليست مرحلة تقاسم الحصص والنفوذ أو مرحلة يسعى فيها كلّ فريق ليكون البلد على قياسه وقياس مصالحه أو أن لا يكون، بل مرحلة تعاون وتلاقٍ. وإنَّنا نأسف أن يكون في هذا ​العالم​ من يعمل على إخراج لبنان من واقعه الاقتصاديّ، ويدعو إلى الإسراع بتأليف حكومة قادرة على القيام بإصلاحات جديّة، في الوقت الّذي لا نجد هذا الهمّ حاضراً في الكثير ممن هم في مواقع المسؤوليّة، فلا الحكومة تألفت ولا الإصلاحات حصلت، ولو على عين هذا العالم، بل نجد استمراراً في إظهار تآكل ​الدولة​. وقد تجلّى هذا الأمر أخيراً في ممارسة يخشى أن تتسبّب بإسقاط حصن من حصونها، وهو ​القضاء​، رغم حاجته إلى إصلاح، حيث يفترض ممن يمثل الشعب أن يكون أميناً على مؤسَّساته.

اضاف "في هذا الوقت، لا بدَّ من لفت الانتباه إلى الخرق الإسرائيليّ للمياه الاقتصادية اللبنانية في البلوك "9"، حيث قامت إحدى سفن العدوّ بإجراء أبحاث لمعرفة مدى المخزون الموجود في هذه المنطقة للاستيلاء عليها أو لسرقة مخزونها، ما يستدعي استنفار جهود الجميع لمواجهته، ليشعر العدوّ بأنه لا يستطيع التحرّك بحريّة في فترة الانقسام التي يعيشها لبنان، وبأنَّ الجميع له بالمرصاد لمواجهة أيّ عدوان على أرضه وجوه وبحره. ويبقى أن نتوجّه إلى القيادات الدينيّة في هذا البلد، لندعوها إلى أن تقدّم منطقاً بديلاً من نمط الخطاب السياسيّ السّائد، وأن يكون خطابها منطلقاً من القيم التي تمثلها، ومن روح ​المحبة​ والرحمة التي تحملها، حتى عندما تنتقد أو تبدي هواجسها أو تعطي رأيها، لتصل كلمتها إلى القلوب قبل العقول.