اعتبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أنه يتعرض لـ”اغتيال سياسي”، معلنا اعتراضه على تشكيل سعد الحريري حكومة لبنانية جديدة تضم سياسيين واختصاصيين.
 
واتهم باسيل في مؤتمر صحافي، الحريري بممارسة سياسة “أنا أو لا أحد” وعتب على “أمل” و”حزب الله” طرفي الثنائي الشيعي بسبب قبولهما حكومة برئاسة الحريري يكون هو خارجها.
 
واقترح باسيل في مؤتمره الصحافي الذي عقده الخميس في بيروت أن يسمّي الحريري رئيسا للوزراء بصفة كونه ممثل السنّة في لبنان، على أن تقتصر هذه الحكومة على وزراء اختصاصيين.
 
وفسر سياسيون هذا الطرح بأنه رفض من باسيل للبقاء خارج الحكومة في حال ترأسها الحريري.
 
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن أكثر ما يزعج رئيس التيار الوطني الحر، وهو صهر رئيس الجمهورية ميشال عون احتمال وجود نوع من التفاهم بين سعد الحريري وكلّ من حركة أمل وحزب الله على تشكيل حكومة تضم اختصاصيين وعددا قليلا من السياسيين من الصف الثاني.
 
وأوضحت هذه المصادر أن هؤلاء السياسيين يمكن أن يكونوا مقبولين من المجتمع الدولي ومن الدول العربية الفاعلة، بما يمكن لبنان من الحصول على مساعدات توقف الانهيار الاقتصادي.
 
ولاحظت أن باسيل تجاهل كليا أنه مرفوض أميركيا وأوروبيا وعربيا وأن وجوده في الحكومة عبء عليها. وقالت إنه ركّز في المقابل على مهاجمة سعد الحريري متهما إياه بأنه “يريد إلغاء الآخرين” وذلك في محاولة واضحة لتقليب الأحزاب السياسية عليه.
 
كذلك، لاحظت إصرار باسيل على تبني الثورة الشعبية التي يشهدها لبنان منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي، متجاهلا أن معظم الشعارات التي رفعت في مختلف المناطق اللبنانية كانت موجهة ضدّه شخصيا.
 
وكان ملفتا أيضا تركيز صهر رئيس الجمهورية على الحكومات التي مرّت على لبنان في السنوات الثلاثين الماضية وحملها مسؤولية الوضع الاقتصادي والمالي الذي قال أحد السياسيين اللبنانيين إنه “لم يتفاقم إلّا في السنوات الثلاث الأخيرة، أي منذ أصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية”.
 
ورأى هذا السياسي أن المقطع الذي يلخص المؤتمر الصحافي لجبران باسيل كان ذلك الذي يطالب فيه بـ”حكومة اختصاصيين من رأس الحكومة إلى كل أعضائها أو بحكومة سياسيين من رأس الحكومة إلى أعضائها”، مضيفا أنّ “أولويتنا منع الانهيار. وإذا أصر الحريري على ‘أنا أو لا أحد’ وأصرّ حزب الله وأمل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، نحن كتيّار وطني حرّ، وكتكتّل لبنان القوي، مع ترك الحريّة لمن يريد من الحلفاء. لا يهمّنا أن نشارك بهكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتما”.
 
وكشفت الساعات الأخيرة عن تطور نوعي في المداولات المتعلقة بتشكيل الحكومة من حيث الميل إلى تسمية رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من جديد لتشكيل الحكومة المقبلة بعد الاستشارات النيابية الملزمة التي ستجري الاثنين.
 
غير أن المداولات التي تقدمت بشأن تسمية الحريري قد لا تكون كافية، حتى الآن، للحديث عن شكل هذه الحكومة وتوقيت تشكيلها.
 
والجديد في أمر هذه المداولات تحرك وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، واجتماعه به، الخميس، في مقره في عين التينة في بيروت.
 
وعلى الرغم من عدم تسرّب تفاصيل حول هذا الاجتماع، إلا أنه كان مرتبطا بالرسالة التي بعثها بري لباسيل عبر أحد نواب التيار لإعلامه رفضه لقرار عدم مشاركة التيار الوطني الحر في الحكومة الجديدة.
 
ويرى مراقبون أن بري يعبر أيضا عن موقف حزب الله الذي لا يريد لحليفه المسيحي الاستراتيجي أن يكون خارج الحكومة، فيما أن غياب الكيمياء السياسية بين بري وعون، كما غياب الود بين زعيم حركة أمل وصهر عون (باسيل)، لاسيما إثر تسرب فيديو شهير لباسيل قبل أشهر يصف فيها بري بالبلطجي، لا يمنع في الوقت عينه، ولأسباب ظرفية، إظهار تضامن سياسي في هذا الظرف الذي تمر به البلاد.
 
وتقول مصادر سياسية إن الثنائية الشيعية قد لا تكون متمسكة بوجود باسيل شخصيا داخل الحكومة المقبلة إذا كان ذلك مسهلا لتشكيلها، لكنها حريصة على وجود تياره، ولو من خلال وزراء تكنوقراط، داخل الحكومة، لكون التيار هو حزب العهد برئاسة ميشال عون.
 
وترى المصادر أن ما سيدلي به أمين عام حزب الله حسن نصرالله الجمعة قد يضع النقاط على الحروف قبل يومين من إجراء الاستشارات النيابية في قصر بعبدا.
 
وتضيف أن موقف نصرالله يوضح خصوصا ما وصلت إليه المفاوضات مع الحريري بشأن طبيعة الحكومة العتيدة.
 
ولا يستبعد بعض السياسيين اللبنانيين أن يكون ابتعاد باسيل عن الحكومة أمرا تم الاتفاق بشأنه مع حزب الله وبضغط غير مباشر من الأخير.
 
ويرى هؤلاء أن نصرالله قد يضع الأمر ضمن سياق وطني يوجد مخرجا مشرفا يبرر الأسباب التي دفعت باسيل إلى التراجع أمام ضغوط الحريري بتشكيل حكومة خالية من الوجوه السياسية الاستفزازية، وفي مقدمها باسيل نفسه.
 
وقدمت مصادر التيار قراره بالابتعاد عن الحكومة المقبلة وفق تفسيرين.
 
الأول أنه موجه ضد شخص الحريري باعتباره شخصا غير مؤهل لإدارة حكومة إنقاذ في البلد وفق تقييم التيار العوني، وبالتالي فإن التيار لا يريد أن يكون شريكا في حكومة تأخذ البلد نحو الانهيار.
 
والثاني تقديم الأمر بصفته تضحية يقدمها باسيل من أجل تسهيل قيام هذه الحكومة وإنقاذ لبنان.
 
ورأى مراقبون أن تفسير التيار يعكس تخبطا داخليا يعبر عما تسرب من نقاش داخلي حول وجاهة قرار التحول إلى المعارضة، والتخوف ممن يعتبر القرار اعترافا من قبل التيار وباسيل بالانتقادات الحادة التي وجهها الحراك الشعبي للعهد وشخص باسيل بالذات.
 
ونقل عن مصادر دبلوماسية في بيروت أن اجتماع الدول الداعمة للبنان في باريس قد عزز حظوظ الحريري في نيل إجماع نسبي من قبل التيارات السياسية اللبنانية ووقف مهزلة الأسماء البديلة التي أضيع وقت كثير بشأنها.
 
واعتبرت المصادر أن الاتصالات التي أجراها الحريري مع مسؤولين في صندوق النقد والبنك الدوليين، الخميس، تؤكد قناعة بأنه سيواصل دوره رئيسا للحكومة المقبلة.
 
وأجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري اتصالين هاتفيين بكل من رئيس البنك الدولي دايفيد مالباس والمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستينا جيورجيفا، وعرض معهما الصعوبات الاقتصادية والنقدية التي يواجهها لبنان.
 
وأكد الحريري لكل من مالباس وجيورجيفا التزامه بإعداد خطة إنقاذية عاجلة لمعالجة الأزمة، بانتظار تشكيل حكومة جديدة قادرة على تطبيقها، وبحث معهما المساعدة التقنية التي يمكن لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين تقديمها في إطار إعداد هذه الخطة.
 
ويقول مراقبون إنه في حال تأكد خروج باسيل، فذلك قد يعني أيضا إمكانية أن يوافق الحريري على شكل محدث من أشكال حكومة تكنوسياسية، لكنه يعني أيضا أن الحريري قد فكك التفاهمات الرئاسية التي أوصلت عون إلى بعبدا، وأنه بصدد إعادة صياغتها وفق قواعد وشروط جديدة.
 
بالمقابل يحذر مراقبون من أن القرار الدراماتيكي للتيار الوطني الحر سيرفع مستوى الضغوط من قبل فريق “8 آذار” على الحريري على قاعدة أن حزب الله وحلفاءه قدموا تنازلات كبرى من خلال انسحاب أحد المكونات الأساسية داخل هذا المعسكر.
 
ويرى هؤلاء أن موقف الثنائية الشيعية يبقى أساسيا في ضخ أجواء إيجابية مساعدة للحريري في مهامه الجديدة، وأن جهودا يجب أن تبذل لإذابة الجليد بين الحريري والرئيس عون والتي توصف علاقاتهما بالتوتر الشديد هذه الأيام.