الانتخابات يمكن أن تثمر برلمانا آخر يطيل الشلل السياسي ويزيد مشاعر الإحباط لدى مجتمع الأعمال وبروكسل.
 
يتوجّه الناخبون البريطانيون، الخميس 12 ديسمبر، إلى مراكز الاقتراع للتصويت في انتخابات مبكرة سيتحدد معها مستقبل البلاد وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي. واعتمادا على من سيفوز، قد يتخذ خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي اتجاهات مختلفة تماما، حيث أن الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد لديها مقترحات مختلفة لاتفاق بريكست والعلاقات التجارية المستقبلية بين البلاد والاتحاد الأوروبي.
 
فهل سينجح جونسون في اقتناص الفوز أم أنه سيعود لوضع التعادل في البرلمان؟ وهو الوضع الذي لا يسمح لأي من الحزبين بامتلاك الأغلبية، كما حدث بعد انتخابات عام 2017، مما أدى إلى عجز البرلمان عن اتخاذ قرار حاسم بشأن الخروج.
 
ومن شأن فوز حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء، بوريس جونسون، أن يزيد من فرص خروج بريطانيا من الاتحاد في أواخر يناير 2020. فيما يميل حزب العمال إلى إجراء استفتاء جديد قد يوفر فرصة لإلغاء بريكست بالكامل.
 
ويأمل جونسون في استعادة الأغلبية المحافظة التي خسرتها تيريزا ماي في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عامين فقط، ليتمكن من تنفيذ بريكست وتسوية النقاشات حول مكانة بريطانيا في العالم.
 
في المقابل، يهدف زعيم المعارضة جيريمي كوربين إلى تغيير الوضع الراهن وتحقيق الفوز لحزبه وتمكينه من تشكيل أول حكومة يسارية في بريطانيا منذ تسع سنوات. وتعهد كوربين بالتفاوض على اتفاقه الخاص بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي في حال أصبح رئيسا للوزراء، ثم عرضه على الاستفتاء، والاختيار ما بينه وبين البقاء في الاتحاد الأوروبي.
 
وأشارت بعض الاستطلاعات إلى أن الانتخابات يمكن أن تثمر برلمانا آخر قد يؤدي إلى إطالة الشلل السياسي ويزيد مشاعر الإحباط لدى مجتمع الأعمال وبروكسل.
 
حملة غير تقليدية
 
أدّت المخاطر والانقسامات الأيديولوجية بين جونسون وكوربين إلى حملة اتسمت بالمشاكسات والطابع الشخصي، حيث واجه جونسون مرارا أسئلة حول مدى موثوقيته بينما وجهت انتقادات لكوربين تتعلق بمعاداة السامية.
 
وبحسب جون ماكدونيل، الذي سيصبح وزيرا للمالية في أية حكومة عمالية مقبلة، فإن رئيس وزراء بريطانيا “هو ربما أقل سياسي يحظى بثقة الناس على الإطلاق”. وبالنسبة لكوربين كان خط الهجوم الرئيسي هو اتهام جونسون بسوء تمويل نظام الرعاية الصحية الوطني.
 
وظهر كوربين على الصفحة الأولى لإحدى الصحف، الاثنين، خلال تجمع انتخابي وهو يحمل صورة طفل مريض يستلقي على الأرض في أحد المستشفيات التي يبدو أن أسرّتها قد نفذت. وقال كوربين لمناصري حزب العمال في مدينة بريستول، بغرب بريطانيا، “هذا عار، عليهم أن يستثمروا بالخدمات العامة”.
 
وبدا جونسون مرتبكا عندما أراه أحد الصحافيين الصورة التي كانت موجودة على هاتفه. ووضع هاتف الصحافي في جيبه متعهدا بأنه سوف “ينظر في الأمر لاحقا”. وفي نهاية المقابلة مع المراسل، اعتذر جونسون وقد بدا عليه التعب، من الصحافي، وأعاد إليه هاتفه. وانتشر مقطع فيديو عن هذه المقابلة بشكل كثيف على مواقع التواصل.
 
مزاعم مؤلمة
تراجع كوربين في استطلاعات الرأي خلال الحملة الانتخابية، ولم تظهر بعد مؤشرات تحقيقه تأييدا يشبه ما حققه في انتخابات 2017 التي حرمت ماي من الأغلبية في البرلمان. ويرجع المحللون تراجع كوربين هذه المرة إلى رفضه المبدئي لدعم إجراء استفتاء ثان بشأن بريكست والذي كان يرغب به معظم ناخبي حزب العمال.
 
كما عانى الحزب، الذي يبلغ عمره نحو نصف قرن، من خروج عدد من أعضائه الكبار الذين أعربوا عن قلقهم من فضائح معاداة السامية التي ظهرت في ظل زعامة كوربين.
 
وأظهرت استطلاعات نشرت، السبت، أن حزب المحافظين يتقدم بمعدل 10 بالمئة. ويعتقد منظمو الاستطلاعات أن جونسون يحتاج إلى التقدم على حزب العمال بنسبة 6 بالمئة على الأقل في انتخابات الخميس ليضمن الأغلبية في البرلمان.
 
احتمالات ثلاثة
 
تشير معظم الاستطلاعات إلى أن حزب المحافظين سيفوز بأغلبية المقاعد في مجلس العموم الجديد، تتراوح التوقعات بين أغلبية بمقدار كبير تزيد عن 60 مقعدا وأغلبية صغيرة تقل عن عشرة مقاعد. وهناك نتائج أخرى محتملة كذلك، مثل التحالف بين حزب العمال والأحزاب الصغيرة مثل الديمقراطيين الأحرار.
 
وبناء على أرقام الاستطلاعات، يمكن التنبؤ بثلاث نتائج على الأقل من الانتخابات:
 
* حكومة يقودها حزب المحافظين، إما لأن جونسون يسيطر على عدد كاف من المقاعد في البرلمان للحكم وحده، أو لأنه يتوصل إلى اتفاق مع حزب أصغر مثل حزب بريكست.
 
في هذا السيناريو، من المحتمل أن يوافق مجلس العموم على تنفيذ اتفاقية الانسحاب التي توصلت إليها لندن مع بروكسل في أكتوبر في أقرب وقت ممكن، ممّا يمهد الطريق لمغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020. وهذا بدوره سيؤدي إلى الدخول في فترة تنفيذ وبدء محادثات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي مدتها 11 شهرا.

* حكومة يقودها حزب العمال، إما لأنها حصلت على أغلبية المقاعد في مجلس العموم أو لأنها وصلت إلى تحالف مع أحزاب أصغر مثل الديمقراطيين الأحرار والحزب القومي الأسكتلندي. وفي هذا السيناريو، من المؤكد أن تطلب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأجيل موعد الخروج للتفاوض على اتفاقية خروج جديدة وتنظيم استفتاء جديد بخيارين: الخروج من الكتلة بالاتفاق الجديد أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وكما حدث في الماضي، فإن أي طلبات للتمديد ستخلق مناقشات داخلية في الاتحاد الأوروبي، ولكن إذا كان التأخير ناشئا عن انتخابات عامة أو استفتاء، فمن المرجح أن توافق بروكسل على الطلب البريطاني.

وفي ما يتعلق بالشركاء المحتملين في تحالف العمال، يريد حزب الديمقراطيين الأحرار من لندن أن تسحب طلبها للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكنه منفتح لإقامة تحالف مع الآخرين وتنظيم استفتاء جديد. ويدعم حزب الخضر والحزب القومي الأسكتلندي أيضا إجراء استفتاء خروج جديد ووعدا بشن حملة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يريد الحزب القومي الأسكتلندي أيضا إجراء استفتاء جديد على استقلال أسكتلندا، مما قد يخلق عقبة أمام التفاوض على تحالف حكومي مع أطراف أخرى.

* برلمان معلّق لا يستطيع فيه أي حزب أو ائتلاف تشكيل حكومة. وإذا حدث هذا، فسيظل جونسون رئيسا للوزراء لكنه لن يسيطر على غالبية المقاعد، مما يحدّ بشدة من مساحة سلطته. وهذا من شأنه أن يزيد من فرص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لاسيما إذا رفض جونسون مطالبة الاتحاد الأوروبي بمنح المملكة المتحدة تمديدًا آخر.

وسيخلق برلمان معلق حالة من عدم اليقين الشديد بالنسبة للشركات والأسر، وسيتعين على كليهما اتخاذ قرارات بشأن الاستهلاك والاستثمار والإنفاق دون رؤية صورة واضحة لما سيحدث في البلاد. ومن شبه المؤكد أن يكون لمثل هذا الغموض الطويل أثر سلبي على النشاط الاقتصادي في بريطانيا. هذا الوضع من شأنه أن يجبر البرلمان في نهاية المطاف على الدعوة لإجراء انتخابات عامة أخرى لكسر هذا الجمود.