كلّما حصلَ عندنا استحقاقٌ دستوري: رئاسي أو حكومي، يقع الهمُّ في ركابنا، لأنّ الأحزاب الشَرِسة عندنا، إمّـا أن تـترك هذا الإستحقاق ضحيَّـةً بلا مراسم أو صلاة، وإمّا أن تنقضَّ على الفريسة بوحشيّة التناتُش.

السلطات الدستورية أصبحت في لبنان الديمقراطي شركاتٍ تجارية تـؤمَّـن الأرباح للحكّام دونما رصيد أو رأس مال.

يكفي أن يكون المؤهَّلون للحكم، ورَثـةَ زعامةٍ طائفيةٍ أو إقطاعية أو طبقيّـة، ينكمشون في شكْلِ أحزابٍ تجنِّـد المذاهبَ في صفوفها وتقطَعُ لها بطاقات حزبية.

ويكفي أن يكون الحاكمُ المستحـقُّ من المقاتلين القدامى الذين تخرّجوا من المعسكرات الميليشياوية، ولا يزال يتزنَّـرُ بفراغات الخرطوش وينتعل الحذاء العسكري.

أصحاب هذه المواصفات يقتنصون الحـقّ الحصري لتسلّم مقاليد السلطة وركوب مقاعد الحكم إنْ لم يكن ذلك بالـرِّضا، فالبديل الحتمي هو القـوّة.

لم يقتنع بعد ورَثَـةُ الملوك بـأنّ الحـقَّ الإلهي بالعرش قد انتهى، وأَن هناك تاريخاً جديداً تحـدّد في السابع عشر من تشرين الأول، يطرح تقويماً جديداً للروزنامة السياسية، فإن لم يكن ذلك بالرِّضا، فالبديل الحتمي هو الثورة.

وأنّ هناك عالماً جديداً وعصراً جديداً، وجيلاً متمرداً جديداً إنفتحت عليه كلُّ مشارفِ الوعي، فبات قادراً على اكتشاف ما في معالِـم العالَـم من مجهول بواسطة الهاتف المحمول.

بلـدٌ يترنَّح بين ألسنةِ اللَّهب... والذين تعاقبوا على الحكم والحكومات، ودمّروا الدولة والمؤسسات، وهجَّروا الأدمغة والطاقات، وأقفلوا المرافق والمتاجر، وعطّلوا العمل، وأفقروا العاطلين عن العمل، همُ الذين يهدّدون ويصرُّون على تولّي الحكومة حتى ولو كانت العروش فوق النعوش.

إنها مغامرة اللّعب بالسيف بين رقاب الملايين المنتفضة في شتى ساحات البلاد، ولا مـرّة في التاريخ انتصرت لعبة السيف على حـقّ الشعوب في الحياة، حتى يوم كانت دواوين البلاط الملكي تَكْتب أحكامَ الإعدام بريشة الطيور.

هل «المسؤولون حقاً لا يعرفون حقيقة الله»، كما جاء في عظةٍ للبطريرك بشارة الراعي، فيما الملحد عند الحساب يخشى أن يواجه ربّـه الوثني..؟

وإلاّ... بأيّ مسؤولية وطنية إنسانية ضميرية إيمانية نواجه قضيّة وطـنٍ معرَّضٍ للسقوط من التاريخ، وقضيةَ شعبٍ معرَّضٍ للسقوط من السجلّ الإنساني، وقضيةَ جيلٍ معرَّضٍ للسقوط من بشائر المستقبل لنحوّله الى حطام بشري...؟

وهل ذلك كلُّـه من أجل الجلوس المشبوه والذليل الى طاولةٍ مهشَّمةٍ إسمها مجلس الوزراء...؟

في مطالعةٍ للتاريخ يلفتنا ما كان في مؤتمر السلام الذي عُقد في باريس خلال حرب فيتنام فكانت عقدة الخلاف في شكل الطاولة التي تجري حولها المحادثات، الأميركيون اقترحوا طاولة مستديرة، فيتناميّو الجنوب اقترحوا طاولة منقسمة إلى نصفين، واقترح فيتناميّو الشمال طاولة مربّعة، وفي انتظار الإتفاق على شكل الطاولة الذي استمر بضعة أشهر، كانت المدافع تعصف والطائرات تقصف والمرافق تشتعل والمباني تُهـدَّم والضحايا تتساقط ركاماً فوق ركام.

يا هؤلاء... مباركـةٌ لكم طاولة مجلس الوزراء مع فائـقِ الـدقّ على الطناجر.