ردّ الشارع على التسوية التي أعيد إنتاجها في الكواليس والغرف المغلقة سوف لن يتأخر،تلك التسوية التي رست على التوافق حول تكليف سمير الخطيب تشكيل حكومة جديدة. سريعاً، سيستعيد المعترضون اللبنانيون زخم تحركاتهم ويعودواإلى الساحات والشوراع رفضاً لهذه الصيغة، معتبرين بأنها التفافٌ على مطالبهم، خصوصاً وأن ما تسرّب من اتفاقات يشير إلى أن الحكومة ستحوي وجوهاً سياسية، ووزارية، كانت قد شاركت في حكوماتٍ سابقة من بينها الحكومة الأخيرة، ما يعني أن شيئاً لم يتغيّر. 
 
صحيح ان السلطة مارست ضخ الكثير من الموجات التفاؤلية كان البارز من بينها تحديد رئيس الجمهورية موعد الاستشارات والذي وصف من البعض بأنه مفخخ لناحية وضع مواعيد الكتل النيابية الكبيرة في فترة بعد الظهر بعد ان تكون كتلة المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري قد ادلت بدلوها في شأن تسمية الرئيس المكلف، وبذلك تكون الكتل الموالية أي تكتل لبنان القوي والتنمية والتحرير قد امسكت بزمام الموقف بحيث إذا حصلت مفاجأة ما من قِبل الرئيس الحريري يُصار في فترة بعد الظهر إلى تصويب الموقف لمصلحة الكتل الموالية، الا ان المعلومات والمعطيات تصب في خانة التأكيد بأن العقد ما تزال قائمة وان الضوء الأخضر الدولي للولوج في عملية التأليف لم يأتِ بعد، لا بل إن التطورات في المنطقة ليست في الإطار الإيجابي في ما خص الأزمة الحكومية بل السلبي، وأكثر من ذلك فإن مواقف خارجية تصدر حول لبنان تؤكد بأن الوضع في لبنان هو جزء من الصراع في المنطقة وان حل أزماته لا يكون من خلال السيناريو الموضوع حالياً والذي يبدأ بالاستشارات الاثنين المقبل هذا من جهة ومن جهة ثانية بالعودة الى الداخل.  
 
ان المشكلة الأكبر بالنسبة إلى الانتفاضة الشعبية كانت في أن التسوية التي تسربت بعض بنودها لم تلحظ بأي شكل من الأشكال مطالب الناس والمتظاهرين، خصوصاً وأن الوزراء الاختصاصيين ستختارهم الأحزاب، ما يعني البقاء في المربّع ذاته، وهو أن الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الحكومة ستكون للأحزاب. والأسوأ من ذلك، هو عدم اكتفاء القوى السياسية بالبحث عن حصصها، بل هناك مَن أصرّ على الحصول على الثلث المعطّل، وهو الوزير جبران باسيل الذي أعلن عدم تمسّكه بالتمثّل بالحكومة شخصياً، ولكنه بالتأكيد يريد الاحتفاظ بحصةٍ معطّلة، أو مقرّرة.
 
والأخطر أيضاً هو أن عملية المفاوضات التي رافقت هذه الحكومة، هي الأولى من نوعها لجهة تجاوز الدستور والأعراف، خاصةً وأن التفاوض على شكل الحكومة وحجمها، وتوزيع الحقائب والحصص والمقاعد فيها قد حصل قبل اختيار رئيسها، وذلك في تهميشٍ كامل لاتفاق الطائف والدستور، إن تكريس هذا المنطق سيؤسّس  لأعرافٍ تؤدي إلى ضرب الدستور أكثر فأكثر، وهو ما يعني تأجيل المشكلة، وتأخير موعد الانفجار.
 
وفيما تعتبر القوى السياسية بأنها سجّلت مكسباً على حساب التظاهرات، فعلى ما يبدو أن المنتفضين يستعدون لاستعادة زمام المبادرة رداً على ترشيح الخطيب، وذلك بتفعيل تحركاتهم لإجهاض هذا المسعى. وفيما يصرّ رئيس الجمهورية على استعجال إجراء الاستشارات وتكليف الخطيب، يبدو من الواضح أن المنازلة لن تقف عند هذه الحدود، بل ستعود المعركة إلى الشارع من قِبل المتظاهرين في مواجهة الحكومة العتيدة إذا ما نجحت التسوية.
 
وهذا يعني أن لبنان سيكون أمام فصولٍ جديدة من التطورات، وذلك على وقع أزمة اقتصادية لم تبدِ القوى السياسية أي جدّية في معالجتها.