يموت ما يقارب 800 ألف شخص منتحرين كل عام، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وهو السبب الثاني للوفاة في الفئة العمرية ما بين 15 إلى 29 عاماً، وذلك بعد حوادث الطرق. وتعد تلك الإحصاءات صادمة، لكنّ الموضوع لم يحظ بالمناقشة الكافية، حسبما تقول منظمة الصحة العالمية.
 
وكما يبدو هذا الفعل متطرفاً للغاية، فإنه يؤثر بشكل متفرد على الأبناء والآباء، بالإضافة إلى أزواج الضحايا وأصدقائهم وزملائهم. حتى إن إحدى الدراسات الأميركية، التي نشرت العام الماضي، خلصت إلى انه بالنسبة لكل شخص يقتل نفسه، فإنه يمكن أن يكون لذلك تأثير مباشر على ما يصل إلى 135 شخصاً آخرين.
 
إبدأ الحوار
لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للحديث عن مشاعر الانتحار، فبدء المحادثة هو المهم، هذا ما صرّحت به إيما كارينغتون، المتحدثة باسم منظمة «ريثنك يو كيه» المعنية بالصحة النفسية، لـ بي بي سي. وتقول: «بداية، نحن بحاجة إلى إدراك أنها محادثة صعبة. إنها ليست محادثة يومية عادية. لذلك سوف تشعر بالتوتر، وهذا جيد».
 
«لا يمكنك جعل الموقف أكثر سوءاً، لأنه بالفعل أسوأ ما يكون. الشيء المهم هو الاستماع بطريقة لا تبدو فيها وكأنك توجّه نقداً أو تصدر حكماً».
وإليك بعض النصائح:
 
- إختر مكاناً هادئاً، حيث يشعر الشخص الآخر بالراحة.
 
- تأكد من توافر الوقت الكافي لكليكما للتحدث.
 
- إذا قلت أي شيء خطأ، فلا داعي للذعر، لا تبالغ في القسوة على نفسك.
 
- ركز على الشخص الآخر، وتواصل معه بالعين، واطرح هاتفك جانباً. أعطه اهتمامك بالكامل.
 
- كن صبوراً. قد يستغرق الأمر وقتاً وعدة محاولات، قبل أن يكون الشخص مستعداً للانفتاح والتحدث.
 
- إستخدم الأسئلة المفتوحة التي تحتاج إلى أكثر من الإجابة بنعم أو لا. تحقق أنك فهمت الإجابة.
 
- لا تقاطع أو تعرض حلاً. لا تقفز بأفكارك الخاصة حول شعور الشخص الآخر.
 
- تحقق من أنه يعرف مكان الحصول على مساعدة طبية مهنية.
 
في الحقيقة، إنّ العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية - الاكتئاب وتعاطي الكحول على وجه الخصوص - واضحة تماماً. لكنّ العديد من حالات الانتحار تحدث بشكل متهور في لحظات الأزمات، عندما ينهار الناس في مواجهة ضغوط الحياة، أو المشاكل المالية، أو انهيار العلاقات العاطفية، أو الألم المزمن والمرض. وترتفع معدلات الانتحار بين سكان الريف، وكذلك بين الفئات المعرضة للمخاطر التي تعاني من التمييز، مثل اللاجئين والمهاجرين، والسكان الأصليين، ومثليي الجنس والسجناء.
 
ماذا يمكن أن يفعل المجتمع؟
تقول منظمة الصحة العالمية إنه يمكن للحكومات فعل الكثير لمنع الانتحار، بما في ذلك:
 
- كسر وصمة العار والتحدث عن الموضوع علناً.
 
- مساعدة الشباب على تطوير مهاراتهم، للتغلب على ضغوط الحياة، خاصة في المدارس.
 
- تدريب العاملين في المجال الصحي من غير المتخصصين على تقييم السلوك الانتحاري وإدارته.
 
- إكتشاف ودعم الأشخاص المعرّضين للخطر، والحفاظ على الاتصال بهم على المدى الطويل.
 
- تقييد الوصول إلى الوسائل والأدوات المميتة.
 
لا تصدر حكماً
وقالت غيلارد عند تقديمها نتائج الدراسة: «ليس شرطاً أن تكون محترفاً للعمل في مجال الصحة، لدعم شخص معرّض للخطر. عليك فقط أن تكون شخصاً مدرباً على إجراء المحادثة».
 
وفي حين أنّ تلقّي مساعدة طبية مهنية هو الوسيلة الآمنة الوحيدة للحصول على الأدوية والعلاج، تقول كارينغتون إن التحدث بصراحة عن الانتحار يمكن أن يظهر أنه لا توجد أحكام مسبقة لديك، وهذا بدوره يمكن أن يساعدهم في أن يشعروا بالأمان على المدى القصير.
 
وتقول: «ربما سيقولون: لا، يا إلهي، لم أكن أفكر في ذلك»، وتكون هذه هي نهاية المحادثة. «لكن بالنسبة لمعظم الناس، عندما يشعرون بالحزن حقاً، فستكون هناك فكرة ما في خلفية أذهانهم».
 
تحدث عن «اليوم»
وتضيف: «إذا كنت قلقاً بشأن شخص ما، فاستمر في السؤال عن حاله اليوم. يمكن أن يساعد استخدام كلمة (اليوم)، لأنه إذا كان ذلك الشخص غارقاً حقاً في مشاعره، فلا يبدو له هذا السؤال ضخماً». وتختم: «غالباً ما يتطلب الأمر أكثر من محادثة مع الشخص المعني، ليصبح منفتحاً للحديث عن الانتحار. أنت بحاجة إلى بناء الثقة معه، حتى يشعر أنك لست ميّالاً لتوجيه النقد، وليس لديك أحكام مسبقة».