أوساط سياسية لبنانية تقول إن خيار الذهاب في تكليف سمير الخطيب بتشكيل الحكومة سيكون خيارا انتحاريا للعهد.
 
أعاد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، بالاتفاق مع حزب الله الحياة إلى ورقة تكليف سمير الخطيب بتشكيل حكومة جديدة بعدما بدت هذه الورقة شبه محترقة إثر ردود الفعل السلبية للشارع اللبناني على تكليف الخطيب.
 
واتهم رؤساء الوزارة السابقون تمام سلام وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، رئيس الجمهورية ميشال عون بخرق اتفاق الطائف الذي هو في أساس الدستور المعمول به منذ العام 1989، إثر الحديث عن تكليف الخطيب قبل إجراء المشاورات النيابية الملزمة.

وركز رؤساء الوزارة السابقون في بيان أصدروه الأربعاء على أنّه لا يجوز تشكيل حكومة واختيار رئيس مجلس الوزراء قبل الاستشارات النيابية الإلزامية التي يفترض برئيس الجمهورية القيام بها.

إلا أن بيانا لاحقا للرئاسة اللبنانية ذكر أن الرئيس عون دعا إلى عقد مشاورات رسمية مع نواب البرلمان يوم الاثنين لتكليف رئيس وزراء جديد.

وقالت الرئاسة في بيانها “رئاسة الجمهورية تحدّد يوم الاثنين المقبل موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة”.

ويتعين على عون تسمية المرشح الذي يحظى بالدعم الأكبر من نواب البرلمان البالغ عددهم 128. ويجب أن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا وفقا لنظام المحاصصة اللبناني.

وعزت أوساط سياسية لبنانية قبول الحريري أن يكون سمير الخطيب الشخص الذي يكلّف بتشكيل الحكومة، إلى أنه لا يريد أن يكون عائقا في وجه تشكيل حكومة جديدة، خصوصا في ضوء الوضع الاقتصادي السيء الذي يمرّ به لبنان.

وذكرت الأوساط نفسها أن خيار الذهاب في تكليف الخطيب بتشكيل الحكومة سيكون خيارا انتحاريا للعهد، نظرا إلى أنه ليس في استطاعة الرجل، في ضوء النقص في الخبرة السياسية، القيام بأي خطوة في اتجاه معالجة الوضع الاقتصادي الخطير.

وأكدت أن الكلام عن تكليف سمير الخطيب بتشكيل حكومة قبل إجراء الاستشارات النيابية كان يستهدف في الأصل الضغط على الحريري، ليس إلّا، من أجل حمله على قبول تشكيل حكومة بشروط حزب الله.

وشدّدت على أنّ اللجوء إلى سمير الخطيب، في حال حصوله، يعود إلى رفض سعد الحريري، بأي شكل، تلبية مطالب الحزب.

ويعود ذلك إلى معرفته بالشروط المضادة للمجتمع الدولي ومؤسساته من أجل مساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة. يأتي في مقدم هذه الشروط ألا تضم الحكومة سوى وزراء اختصاصيين يعالجون المشاكل التي يعاني منها لبنان.

وكان الرؤساء الثلاثة أصدروا بيانا، الأربعاء، عبروا فيه عن استهجانهم لـ“هذا الخرق الخطير لاتفاق الطائف والدستور نصا وروحا”. واستنكروا “الاعتداء السافر على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها وبنتائجها، ومن ثم الاعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة عندما يتم تكليفه بتشكيل الحكومة”.

 

ورأى محللون أن الصفقة التي يحكى عنها تمثل استخفافا بالانتفاضة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد من حيث شموليتها واختراقها كافة المكونات الشعبية اللبنانية، وأنها لا تأخذ بعين الاعتبار مطالب الاحتجاجات بإبعاد الطبقة السياسية غير المؤهلة لقيادة البلاد والمسؤولة عن تغطية الفساد والفاسدين.

واعتبر الوزير علي حسن خليل من حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن بيان رؤساء الحكومات ليس بالسوء الذي كان عليه بيانهم السابق، فهو لم يشر، كما المرة السابقة، إلى التمسّك بترشيح الحريري. غير أن ميقاتي عاد ودعا إلى أن يكون الحريري رئيسا للحكومة المقبلة.

ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في بيان، قائلا إن “رئيس الجمهورية هدف من خلال الإفساح في المجال أمام المشاورات بين الكتل النيابية إلى تأمين تأييد واسع للرئيس المكلف ما يسهل عليه تشكيل الحكومة وذلك في ضوء التجارب المؤلمة التي حصلت في أيام أصحاب الدولة الذين أصدروا البيان”.

وقرأ سياسيون ما تسرّب من مداولات التشكيل بأنه انتصار لوجهة نظر حزب الله لجهة رفض تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة عن التيارات والأحزاب السياسية، ولجهة فرض حكومة تكنوسياسية تتمثل داخلها الطبقة السياسية عبر وزراء سياسيين ومن خلال تسميتها لوزراء تكنوقراط ترضى عنهم، بما يعيد البلد إلى نفس آلية الحكم التي كان معمولا بها قبل اندلاع الاحتجاجات في 17 أكتوبر الماضي.

ورأوا أيضا أن الحريري خضع لشرط وزير الخارجية جبران باسيل بعدم مشاركته في الحكومة بعدم مشاركة الحريري أيضا.

واعتبر محللون أن الطبقة السياسية شكلت الحكومة برعاية قصر بعبدا وباسيل وأنهم اختاروا لها شخصية سنية ضعيفة ولا تملك رصيدا شعبيا، وهو أمر يفقد الحكومة ورئيسها مصداقية داخلية كما لدى المجتمع الدولي.

وذكرت تقارير إعلامية أن صيغة الحكومة المقبلة ستكون مؤلفة من 24 وزيرا ومقسمة على 6 وزراء للحراك وللأحزاب المشاركة في التحرّكات وغير الممثلة في البرلمان، في مقابل وجود 6 شخصيات سياسية معظمها وزراء دولة، في حين أنّ باقي الوزراء الـ12، سيكونون من الاختصاصيين لكن سيتم اختيارهم من قبل الأحزاب السياسية.


وتردد بقاء الوزراء الحاليين، علي حسن خليل (حركة أمل) ومحمد فنيش (حزب الله) وسليم جريصاتي (من حصة الرئيس ميشال عون) على أن يلتحق وزير يمثل التيار الوطني الحر.

وقالت الأنباء إن الوزيرين المتبقيين هما من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي والمستقبل، وإذا رفضا المشاركة السياسية فتزيد حصتهما في وزراء التكنوقراط.

واستغرب مراقبون الانهيار المفاجئ لمقاومة الحريري وتخليه عن شروطه لجهة تشكيل حكومة من الاختصاصيين وتحلي تلك الحكومة بصلاحيات استثنائية تحضّر لانتخابات نيابية مبكرة، فيما أن ما تسرب من معلومات يفيد إضافة إلى طابع الحكومة السياسي بأنها لن تمنح صلاحيات استثنائية ولن تكون هناك أي انتخابات نيابية مبكرة.

وتساءل المراقبون عما إذا كان الحريري قد خضع لضغوط خارجية تتوافق مع ما سربته المنابر القريبة من حزب الله عن ضغط فرنسي لإشراك حزب الله في الحكومة ومع ما نشرته صحيفة “الأخبار” المقربة من الحزب عن معلومات دبلوماسية غربية تتحدث عن موقف أميركي أحيط المسؤولون اللبنانيون به، وهو أن واشنطن لم تعد تمانع توزير حزب الله في الحكومة الجديدة.

وأشارت معلومات الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تعتقد بأن وجود حزب الله في حكومة شريكا فيها أفضل من أن يترأس الأكثرية فيها كحال الحكومة المستقيلة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، أو أفضل من عدم وجود حكومة، خصوصا في ظل حكومة تصريف الأعمال.