"إنك لا تعبر في النهر ذاته مرتين"    هرا قليطس

مخطئ من يعتقد أنّ التاريخ يعيد نفسه، حتى لو تشابهت الأحداث ما بين الماضي والحاضر، فأوجه الشبه عامة، فيما الشيطان يكمن في التفاصيل. ومن ضمن ما لا يمكن تشبيه بعضه ببعض هو افتراض أنّ السابع من أيار سنة 2008، أي يوم غزوة "حزب الله"، هو ذاته ما قد يحدث اليوم أو غداً في وجه الثورة.

فلمن لا يعرف حيثيات عشية السابع من أيار، وكيف تمّ التآمر بين "حزب الله" ومخابرات نيكولا ساركوزي (الرئيس الفرنسي آنذاك) على اختراع مسألة كاميرات المراقبة وترويجها، وذلك بهدف كسر واقع إقليمي كان جامداً.

المعلومات كتبها في جريدة "الأخبار" مستشار رئيس الجمهورية السابق جان عزيز عن اجتماع حصل قبيل غزوة السابع من أيار بين ملحقين فرنسيين في السفارة ومسؤولين من "حزب الله"، وحدّد مكان الإجتماع وحتى بعض ما حصل من حوار، وأكّد أنّ معلوماته أتت من الملحق العسكري الفرنسي في السفارة الفرنسية في لبنان. (صحيفة الأخبار السبت 21ك² 2012- اسرار باريس- دمشق من مسرحية 7 أيار حتى لحظة الإنفجار- جان عزيز)

فعشية غزوة السابع من أيار كان نيكولا ساركوزي يجول على ديكتاتوريات البحر المتوسط سعياً وراء حلمه بتحويل هذا البحر بحيرة تقودها فرنسا، في ساعة تخلٍ أميركي لجورج بوش الإبن اليائس من تجربته العراقية، فاختار الإعتكاف وترك ساركوزي يسرح في خياله الجامح.

يعني ببساطة، كانت مؤامرة الحزب مغطاة دولياً لإسقاط عناد حكومة فؤاد السنيورة، ومن ثم إسقاط الطائف في الدوحة، وإسقاط الرابع عشر من آذار بالتفاهمات السعودية السورية.

نجاح مناورة السابع من أيار سنة 2000، شجعت "حزب الله" على انقلاب 2011، يوم "القمصان السود" بعد إسقاط حكومة سعد الحريري. في ذلك التاريخ كانت المرجعيات الإيرانية تعلن عودة الإمبراطورية الفارسية التاريخية إلى سالف عهدها أيام الأخمينيين والساسانيين والصفويين والقاجاريين، ولم يأبه أحد في العالم لكل ذلك، فأوباما كان مشغولاً بإعداد أوراقه للإتفاق مع إيران، والعالم يلحقه.

لكن الحرب السورية غيّرت كل شيء، وقد تكون هذه الحرب ما حمى قادة الرابع عشر من آذار من الإضطهاد، ومن كان يعلم، من اتهامهم بالتآمر والعمالة لإسرائيل؟

لماذا هذا الحديث الآن؟

ما أريد أن أطمئن به الناس هو أنّ التهديد، أو المطالبة لبعض الهائجين بتعصبهم الغرائزي بسابع من أيار جديد هو مجرّد تهديد فارغ. ليس لصحوة ضمير لمن قام بالغزوة الناجحة سنة 2008، بل لأنّ الظروف لم تعد ملائمة لمغامرة مماثلة.

لا شك في أنّ الثورة فرضت وقائع جديدة وغير مألوفة على الشارع اللبناني، وجعلت من الصعوبة بمكان فرض التسويات التقليدية التي حكمت الحكم في لبنان، ربما منذ سنة 1943، وأظن أنّه لولا ضغط الشارع لعادت التسويات التقليدية ومشت من جديد.

لكن "حزب الله" المتأهّب دائماً للعمل العسكري لحلّ كل مشكلاته، يرى نفسه اليوم محاصراً في كل الخيارات، أكانت سياسية أم عسكرية.

فالعالم اليوم لم يعد كما كان سنة 2008 ولا سنة 2011، وشارة النصر التي رفعها قادة "الحرس الثوري"، عادت وتضبضبت، من مستوى إعلانهم السيطرة على عواصم عربية عدة، إلى مستوى كيفية الحفاظ على الذات أو الحد من الخسائر.

فالعراق، درة التاج الفارسي، ثار شعبه ضد الإستغلال والتبعية، وضد تحالف الفساد المحلي مع "الحشد الشعبي" المدعوم من إيران.

وسورية، الحبل السري لـ"حزب الله"، وبالرغم من كل الإستثمارات لأربعة عقود في كل شيء، في المال والعقارات والعقيدة والرشوة والموت، أتت روسيا لتقطفها بعد أن "سقطت كتفاحة على الأرض"، وهذا التعبير هو ما استعمله السفير الإيراني في سوريا بخصوص لبنان في الثمانينات من القرن الماضي، يوم كان ينتظر سقوطنا في حضنه.

والإستثمار في التطرّف السنّي لم يعد ربيحاً لإيران بعد أن استنفدت أرباحه بالكامل.

والإتفاق النووي سقط، مع أنّ إيران ما زالت تأمل بسقوط ترامب لتعيد إحياءه.

والعقوبات المالية الأميركية على إيران وعلى "حزب الله"، وخنق الموارد المالية من مال نظيف أو مبيّض، وشح المال رغم المكابرة، أصبح هاجساً وجودياً للحزب.

لذلك، فإنّ "حزب الله" يرى اليوم في دفعه لأي مغامرة عسكرية في لبنان جزءاً من المؤامرة عليه، لأنّها ستفتح أبواب جهنم، كذلك الذهاب الى مغامرة حكومة من لون واحد.

أقصى ما قد يلجأ إليه الحزب اليوم هو بعض الإستعراضات بوحدات الدراجات النارية، وهذه أيضاً أثبتت عدم جدواها.

ما الحل إذاً؟ قد يكون أهون الشرور اليوم هو قبول حكومة اختصاصيين. وعلى كل الأحوال، لا أحد يعتقد أنّ هؤلاء الإختصاصيين سيجاهرون بالعداء للمقاومة أو الذهاب إلى سياسات معادية لها.

المعضلة الباقية هي نفسية، من جهة تتعلق برفض الحزب أن يكون مغلوباً على أمره، ومن جهة ثانية، كيف ستضمن حكومة اختصاصيين استمرار مداخيل "حزب الله" من معابر شرعية وغير شرعية.

لذلك كله لا يرهبن أحد أحداً بسابع من أيار جديد.