موسكو تلتفت إلى شمال غرب سوريا بعد تجميد الحل السياسي، فيما تراهن المعارضة من خلال محاولة استعادة السيطرة على تحسين تموقعها سياسيا.
 
تشهد محافظة إدلب في شمال غرب سوريا تصعيدا خطيرا بين القوات الحكومية من جهة والفصائل الجهادية والمعارضة من جهة ثانية، بعد يوم من إعلان فشل الجولة الثانية من مفاوضات الهيئة المصغرة للجنة الدستورية المقامة في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
 
ويضع التصعيد الجاري في إدلب التفاهمات الروسية التركية على المحك، خاصة في حال قررت موسكو المضي قدما نحو استعادة كامل المحافظة ومحيطها.
 
وتدرك دمشق ومن خلفها موسكو أن السيطرة على محافظة إدلب ستعزز قدرتهما في السيطرة على مفاصل التسوية السياسية. وفي المقابل فإن الفصائل الجهادية والمعارضة التي كانت أول من بادر إلى التصعيد الأخير في إدلب تراهن، من خلال محاولة استعادة ما كانت قضمته القوات الحكومية، على تحسين تموقعها سياسيا.
 
ولقي نحو 70 مقاتلا حتفهم في الساعات الأخيرة في اشتباكات بين الجيش السوري والفصائل الجهادية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ الاشتباكات أسفرت عن مقتل 36 عنصرا من الجيش و33 من الفصائل المسلحة.
 
وأعلن مدير المرصد رامي عبدالرحمن أنها “الاشتباكات الأكثر عنفا في محافظة إدلب منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ” والذي أعلنته دمشق وحليفها الروسي.
 
وقال عبدالرحمن، إنّ “قوات النظام شنّت (…) هجوما مضادا على أربع قرى في جنوب شرق إدلب، كانت الفصائل المقاتلة والجهادية سيطرت عليها” في وقت سابق. وأضاف، “تمكنت من استعادة هذه القرى بأكملها”، مؤكدا أن “الاشتباكات مستمرة”.
 
وكانت الفصائل الجهادية والمعارضة أعلنت، السبت، استعادتها قرى “رسم الورد وسروج وإسطبلات وإعجاز، بعد معارك عنيفة ضد القوات الحكومية والقوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله اللبناني التي سقط منها العشرات بين قتيل وجريح، وتدمير عدة آليات عسكرية”.
 
جاء ذلك بعد ساعات قليلة من إطلاق تلك الفصائل التي تتصدّرها جبهة تحرير الشام (النصرة سابقا) معركة عسكرية واسعة النطاق ضد مواقع القوات الحكومية السورية والقوات الموالية لها في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
 
وتصاعدت صباح الأحد أعمدة الدخان في سماء معرّة النعمان، حيث كانت طائرات تنفّذ غارات على مواقع لجهاديين ومقاتلين معارضين.
 
وفرّ سكان القرى المتضررة من التصعيد الجديد إلى المناطق الشمالية، لينضموا إلى مئات الآلاف الذين خرجوا من المحافظة التي تعاني من العنف منذ اندلاعه في وقت سابق من العام.
 
وقال شخص يدعى حافظ، فرّ من المنطقة مع زوجته وأطفاله الثلاثة قبل يومين، “نزحت إلى الحدود التركية السورية خوفا على الأطفال من الطيران الذي يقصف القرى والبلدات في ريف إدلب الشرقي وارتفاع وتيرة القصف العشوائي.. لا أتحمل أن أرى أطفالي تحت الأنقاض”.
 
وشُنّت غارات بعد ظهر الأحد على مناطق يسيطر عليها الجهاديون على بعد عشرات الكيلومترات من الجبهة الرئيسية، ما قد يشير إلى احتمال تصاعد القتال.
 
ويهيمن مقاتلو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على محافظة إدلب. ولا تزال غالبية الأماكن في هذه المنطقة، كما مناطق محاذية في محافظات حلب وحماه واللاذقية، خارج سيطرة الحكومة. وتضم هذه المناطق عدة جماعات جهادية، بالإضافة إلى فصائل مسلحة أخرى.
 
وتعتبر هذه المنطقة واحدة من آخر معاقل المسلحين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يسيطر على أكثر من 70 بالمائة من البلاد.
 
 
وقام الرئيس السوري بشار الأسد في 22 أكتوبر بزيارته الأولى إلى المنطقة منذ بداية الحرب 2011، واعتبر أن معركة إدلب هي الأساس لحسم الحرب في سوريا.
 
وبين نهاية أبريل ونهاية أغسطس، شهدت هذه المنطقة أعمال قصف نفّذها الجيش السوري، بمساندة المقاتلات الروسية. وقُتل أكثر من ألف مدني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما نزح نحو 400 ألف، بحسب الأمم المتحدة.
 
ورغم الهدنة المعلنة في 31 أغسطس، فإنّ المعارك والقصف تكثّفا في الأسابيع الأخيرة. وبحسب المرصد فقد قتل أكثر من 160 مدنيا وما يزيد على 460 مقاتلا بينهم من القوات الحكومية.
 
ويقول مراقبون، إنه ليس من الواضح ما إذا كانت هناك نية لتوسّع القتال في إدلب ومحيطها، خاصة وأن مثل هذا الأمر ينطوي على محاذير كبيرة لاسيما إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات جديدة بشأنها بين روسيا وتركيا، ولكن في الآن ذاته فإن موسكو واضحة لجهة أن بقاء الوضع على ماهو عليه في إدلب أمر مستحيل، وسط قناعة بأن استعادة دمشق سيطرتها على هذه المحافظة قد يجبر الأطراف المقابلة إلى القبول بتسوية ترسم روسيا خيوطها.
 
وانتهت الجولة الثانية من مفاوضات الهيئة المصغّرة للجنة الدستورية التي احتضنتها المدينة السويسرية على مدار خمسة أيام، من الاثنين إلى الجمعة، بفشل ذريع، حيث لم يستطع الفرقاء السوريون التوصل إلى اتفاق حول جدول أعمالها، وسط تحميل كل من المعارضة والولايات المتحدة الحكومة السورية مسؤولية التسبب في تعثّر المباحثات.
 
واستنكرت وزارة الخارجية السورية، الأحد، ما وصفته بمحاولة الولايات المتحدة التدخل في عمل اللجنة المعنية بوضع دستور جديد للبلاد. وقال مصدر مسؤول بالوزارة، في بيان تم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، إن “البيان الصادر عن الخارجية الأميركية حول جلسات لجنة مناقشة الدستور المنعقدة في جنيف، يؤكد مرة أخرى وبشكل قاطع محاولات الولايات المتحدة التدخّل في شؤون الدول وفرض أجنداتها الخاصة، وآخرها الآن بتدخلها بعمل اللجنة”.
 
وأضاف المصدر أن “حكومة الجمهورية العربية السورية تؤكد أن هذا الحوار هو سوري – سوري ولا يحق لأي أحد التدخل فيه، أو دعم أي جهة فيه تحت أي ذريعة، وأن دور الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها الخاص السيد جير بيدرسون، ينحصر في تسهيل مناقشات اللجنة وتيسير شؤونها فقط”.
 
الجولة الأخيرة من مفاوضات اللجنة الدستورية أظهرت عدم استعداد القوى الداعمة للفرقاء السوريين لحسم النزاع
 
وشدد على أن “أي آراء أو بيانات من الولايات المتحدة أو غيرها لا قيمة لها ولن تؤثر على عمل اللجنة وطبيعة حواراتها وشكله ومضمونه”.
 
وكانت وزارة الخارجية الأميركية اتهمت، السبت، وفد الحكومة السورية باللجنة الدستورية بمحاولة تعطيل عمل اللجنة.
 
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس في بيان، إن الشروط المسبقة لوفد النظام السوري، تنتهك النظام الداخلي للجنة الدستورية، وإن هذه الشروط هي محاولة لتأخير جهود تدعمها المجموعة المصغّرة ومجموعة أستانة.
 
وفي وقت سابق، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن أطراف اللجنة لم تتمكن خلال جولة المفاوضات الأخيرة من الاتفاق حول جدول أعمال المفاوضات، معربا عن أمله بالتوصل إلى اتفاق خلال جولة المفاوضات المقبلة.
 
ويقول محللون، إن الجولة الأخيرة أظهرت حقيقة عدم استعداد القوى التي تقف خلف الفرقاء السوريين للتوصل إلى حسم النزاع الممتد منذ أكثر من ثماني سنوات.
 
ويلفت المحللون إلى أنه رغم تحسن الواقع الميداني بعد سيطرة الحكومة السورية بدعم من روسيا على معظم الأراضي وانحسار التوتر في شمال سوريا وشرقها، فإن مفاوضات الحل النهائي لا تزال تدور في حلقة مفرغة، ولا تكاد تغادر متاهة حتى تجد نفسها في متاهة أخرى. وقد ترى موسكو في استعادة إدلب المعركة التي ستقلب موازين القوى كليا.