بعد الحديث عن تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية من ذروة 2350 ليرة الى 1750 ليرة عشيّة إضراب نقابة الصرافين أمس بسبب تهافت المواطنين لبيع الدولار والاستفادة من سعره المرتفع، تفاوتت نسبة التزام محال الصيارفة بالإضراب بين المناطق اللبنانية، فالتزم بعضها وأقفل مؤسساته، في حين فتح البعض الآخر أبوابه ليتم شراء الدولار بحدود الـ 2000 ليرة.
 

فيما سارع المواطنون من حملة العملة الصعبة الى صرفها وتحقيق الارباح، وجد مدّخرو الليرة اللبنانية والموظفون الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية أنفسهم مغبونين، لأنهم لم يستطيعوا أوّلاً الاستفادة من فارق سعر العملة، وثانياً بسبب ارتفاع أسعار السلع نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار. وبالتالي، تراجع قدرتهم الشرائية.

في هذا الاطار، أوضح الخبير المالي والاقتصادي الدكتور ​شربل قرداحي انّ تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار على الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، وهم شريحة كبيرة تضم كافة موظفي القطاع العام ونسبة كبيرة من موظفي القطاع الخاص، سلبي من ناحية تراجع قدرتهم الشرائية.

وأشار الى انّ الانكماش الاقتصادي أدّى الى تراجع الطلب وبالتالي انخفاض الاسعار، لكنّ ارتفاع سعر صرف الدولار أثّر في المقابل على اسعار السلع المستوردة ودفعها نحو الصعود.

وشرح انّ المواطن اللبناني يقوم بصرف 50 في المئة من راتبه الشهري على استحقاقات هي في الاساس بالليرة اللبنانية كالقروض السكنية المدعومة، الضرائب والرسوم وغيرها. مما يعني، وفقاً لقرداحي، انّ ارتفاع سعر صرف الدولار يؤثّر على 50 في المئة من قيمة الرواتب والاجور بالليرة اللبنانية. وبالتالي، مع ارتفاع سعر الصرف بحوالى 33 في المئة، من المتوقع ان يؤدي ذلك مع نهاية شهر كانون الاول الى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة، بنسبة تتراوح بين 15 و18 في المئة.

في المقابل، يقوم حملة الدولارات وكلّ من يتقاضى راتبه بالدولار بتحقيق الارباح نتيجة بيع الدولار بسعر الصرف المرتفع، مما يرفع الى حدّ ما قدرتهم الشرائية. وقد أوضح قرداحي في هذا الاطار، انّ اسعار السلع لا ترتفع تلقائياً مع ارتفاع اسعار الصرف. وبالتالي، فإنّ من استفاد من بيع الدولار بسعر صرف مرتفع حقق ربحاً يمكن اعتباره على المدى القصير، ربحاً حقيقياً، «لأنّ اسعار الاستهلاك لا ترتفع بالسرعة نفسها التي ترتفع فيها اسعار الصرف. لكن على المدى المتوسط، فإنّ اسعار السلع ستلحق تلقائياً ارتفاع سعر الصرف، وستشهد بدورها مساراً تصاعدياً».

وتوقّع قرداحي أن يُترجم ارتفاع سعر الصرف في الاسابيع القادمة ارتفاعاً الى حد ملحوظ في اسعار السلع في مختلف المحال التجارية، لتمحو جزءاً من أثر الربح الذي يشعر به المواطن حالياً.

أضاف قرداحي: رغم انّ اسعار السلع سترتفع عاجلاً أم آجلاً نتيجة ارتفاع سعر صرف العملة، إلا انها في المقابل تواجه ضغوطاً نتيجة الانكماش الاقتصادي الحالي، مما قد يدفع التجّار (العقارات، السيارات، وغيرها...) الى خفض الاسعار لمواكبة تراجع الطلب. وفي النتيجة، سترتفع الأسعار لكن بنسبة أقل من نسبة تراجع سعر الصرف.

سيناريو خطير
في سياق آخر، وحول مخاوف المواطنين من احتمال رفض المصارف المطلق للسحب النقدي بالدولار بعدما خفّض بعضها في الآونة الاخيرة الحدّ الاقصى للسحب الى 200 دولار اسبوعياً، ومع تزايد الحديث عن إمكانية توجّه المصارف نحو تحويل كافة الايداعات المصرفية من الدولار الى العملة المحلية، اعتبر قرداحي انّ هذا السيناريو خطير للغاية وانعكاساته كبيرة «لأنّ العملة المحلية في الظروف الحالية مهددة بالتراجع بسبب الاختلال الحاصل في الميزان التجاري والمالية العامة».

وقال: هذا الامر مرفوض نظرياً وتطبيقياً، واللجوء الى هكذا خيار في حال حصوله، يجب أن يحصل ضمن منظومة متكاملة للخروج من الأزمة، على ان لا يطال كافة الودائع بل تلك التي تتعدى المليون دولار، وعلى ان يتم على سبيل المثال، تحويل نسبة 15 في المئة منها فقط الى الليرة اللبنانية لمدّة محدّدة بفائدة معيّنة.

وختم: هذا الخيار يتطلّب ان يكون لبنان قد التزم بخطة إنقاذ مع المؤسسات الدولية، على ان يتم تشريع هذا الاجراء في مجلس النواب وان يحصل على توافق وطني في ظلّ وجود حكومة شرعية. مشدداً على انّ هذا الخيار لا يمكن ان يحصل بين ليلة وضحاها، وهو حالياً غير مطروح بتاتاً.