المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني قاوم ضغوطا إيرانية لإصدار فتوى تحرم التظاهرات.
 
كشفت مصادر سياسية مطلعة عن خطة إيرانية لوضع المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني المقيم في النجف تحت سيطرة ميليشيات عراقية موالية لها، بعدما بات يشكل خطرا كبيرا على نفوذها.
 
وأكدت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن “السيستاني قاوم ضغوطا إيرانية رهيبة خلال الأيام القليلة الماضية، لإصدار فتوى تحرم التظاهرات”.
 
وبرغم الملاحظات التي يبديها السيستاني على استحياء بشأن الإجراءات القمعية الحكومية ضد المتظاهرين، فإن قطاعا واسعا من الجمهور العراقي بات يشكك في فرضية الفصل بين المرجع الشيعي الأعلى والأحزاب السياسية العراقية، واعتبارهما طرفين نقيضين، بينما يشكلان طرفا واحدا بمصالح متطابقة.
 
لكن عدم اصطفاف السيستاني إلى جانب الحكومة علنا خلال أزمة التظاهرات، يعد دافعا رهيبا لحركة الاحتجاج، ويحول دون تورط الميليشيات الموالية لإيران في عملية استهداف واسعة للمتظاهرين.
 
وسهّل إحراق القنصلية الإيرانية في النجف، مساء الأربعاء، من قبل متظاهرين غاضبين على إيران تنفيذ خطتها عبر ميليشيات تابعة للحشد الشعبي.
 
وأكدت المصادر على أن إحراق القنصلية الإيرانية عجل دخول الحشد الشعبي إلى النجف وخنق نفوذ السيستاني، وهي الخطوة التي تفصل الحكومة عن قمع الاحتجاجات.
 
ويدرك الإيرانيون أن السيستاني لا يمكن أن يفرط بشعبيته الكبيرة في صفوف شيعة العراق من خلال السماح للحكومة بقتل المتظاهرين، لكنه لا يستطيع أيضا أن يتخلى عن مصالحه الوجودية المرتبطة بالنظام السياسي العراقي.
 
وتشير المصادر إلى أن الصبر الإيراني على السيستاني أوشك على نهايته، وأن طهران ستتعامل مع كل من لا يقفون إلى جانبها على أنهم أعداء، بما في ذلك المرجع الشيعي الأعلى.
 
وبدلا من أن تواجهه، ستتجه إيران للسيطرة على مدينة النجف، معقل السيستاني والحوزة الشيعية العراقية، من خلال قوات الحشد الشعبي، التي أعدت خصيصا لمثل هذه المهام.
 
وأحرق محتجون غاضبون قنصلية إيران في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، حيث يقع مرقد الإمام علي بن أبي طالب، الأب الروحي للمذهب الشيعي في التراث الإسلامي.
 
وكانت قنصلية إيران في مدينة كربلاء المجاورة، حيث مرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، رمز التضحية لدى الشيعة في العراق والعالم، تعرضت للحرق هي الأخرى على أيدي متظاهرين، قبل أسابيع.
 
وبدا واضحا أن الإيرانيين يريدون إرسال رسالة قوية ردا على إحراق قنصليتهم في النجف، من خلال ارتكاب مجزرة في مدينة أخرى، هي الناصرية.
 
وقال نشطاء عراقيون إن طهران انتقمت لقنصليتها في النجف من خلال الدفع بميليشيات عراقية موالية لها إلى قتل المتظاهرين في الناصرية، حيث فتح مسلحون النار على المحتجين في المدينة الجنوبية، مساء الأربعاء وصباح الخميس، وقتلوا أكثر من 20 شخصا منهم، وجرحوا العشرات.
 
ولا يبدو إحراق القنصليتين الإيرانيتين في أشد المدن قدسية لدى الشيعة، أمرا عابرا أو تعبيرا عن غضب سريع الزوال، بل هو إعلان موقف شعبي صريح مناهض لنفوذ طهران، التي رعت الأحزاب السياسية المتهمة بصناعة التخلف في العراق وترويج الفساد الإداري والمالي وتدمير فكرة الانتماء الوطني لدى العراقي.
 
وحتى بعد أن أحرق المتظاهرون قنصلية إيران في النجف، لم تشأ القوى السياسية العراقية الخاضعة لطهران أن تميز نبرة الغضب في صوت الشارع، بل راحت تكيل التهم للمندسين وتتوعد بمحاسبة المتسببين في كل هذه الأعمال.
 
وتُظهر إيران أنها تتعامل باستخفاف مع التظاهرات التي تشهدها المدن العراقية بحيث أنها لم تعمد إلى غلق سفارتها وقنصلياتها ولم ترحّل دبلوماسييها وعوائلهم كما تفعل الدول الحريصة على سلامة مواطنيها الذين يعملون في المناطق الخطرة.
 
وعزا مراقب سياسي عراقي السلوك الإيراني، الذي وصفه بغير المسؤول، إلى رغبة إيرانية في عدم النظر إلى الاحتجاجات بحجمها الطبيعي. كما لا ترغب إيران في أن تهب المحتجين شعورا بالانتصار عليها وهو ما شكل سببا مضافا للقرار الذي اتخذه المحتجون في حرق قنصليتها في النجف بعد أن كانوا في أوقات سابقة قد أحرقوا قنصليتيها في البصرة وكربلاء.
 
وتشكل النجف عقدة تاريخية بالنسبة لإيران كونها تضم مرجعية شيعية مستقلة نسبيا عن سيطرة الولي الفقيه في إيران التي قد تجد في حرق قنصليتها مناسبة لدفع ميليشياتها إلى السيطرة على المدينة المقدسة وعزل السيستاني عن العالم وفي المقدمة عن مقلديه الشيعة في الجنوب العراقي.
 
وتوقع المراقب في تصريح لـ”العرب” أن تقع فصول هذا السيناريو بين لحظة وأخرى، لأنه السيناريو الوحيد المقبول إيرانيا بعد أن عجزت الحكومة العراقية عن حماية المصالح الإيرانية.
 
وقال أبومهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، الذي يضم جماعات مسلحة ومعظم فصائله القوية على صلة وثيقة بإيران، إن الحشد سيستخدم كامل قوته مع من يحاول الاعتداء على آية الله العظمى علي السيستاني.
 
وأضاف في بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للحشد الشعبي “سنقطع اليد التي تحاول أن تقترب من السيد السيستاني” في ما اعتبر إشارة إلى تبرير إطلاق يد الميليشيات للسيطرة على النجف.
 
وقال فنار حداد الزميل الباحث بمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية إن الحكومة قد تستخدم حرق القنصلية الإيرانية ذريعة لحملة أشد صرامة.
 
وأضاف أن حرق القنصلية في النجف “يبعث برسالة إلى إيران لكنه يفيد أيضا أشخاصا مثل أبومهدي المهندس… (بإتاحة) ذريعة لشن حملة وتصوير ما حدث على أنه تهديد للسيستاني”.
 
على صعيد آخر فإن الحكومة التي أدارت ظهرها للاحتجاجات قد تجد في حرق القنصلية مسوغا لتصعيد العنف ضد المتظاهرين وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث انشقاقات في داخل الأجهزة الأمنية المكلفة بالتصدي للتظاهرات.
 
ولن يتحمل الكثير من العاملين داخل تلك الأجهزة مسؤولية ارتكاب المزيد من القتل في صفوف أبناء طائفتهم ومدنهم وعشائرهم، وهو ما قد يؤدي إلى الاعتماد كليا على فصائل بعينها من الحشد الشعبي وهي الفصائل الموالية كليا لإيران.
 
لأجل ذلك قد تشهد الأيام المقبلة ظهورا علنيا مكثفا للميليشيات في شوارع المدن ذات الغالبية الشيعية وقد تزداد حالات الخطف والاعتقال العشوائي والاغتيالات من أجل بث الذعر في صفوف المحتجين.