43يوماً على إنتفاضة غير مسبوقة، على ثورة عارمة تعبر عن حاجة الناس، وحرمان الناس، ومرارة الناس، ومرض الناس، وفقر الناس، وجوع الناس، وبطالة الناس، وخيبة الناس… كل الناس من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، وليس هناك من يحاول ان يجد حلاً، فالسلطة السياسية تناسلت الفساد وتحوّلت شركة مغفلة تنهب البلد وتمص دم المواطنين، وشعب خلع ثياب الطائفية والمذهبية التي طالما أسروه فيها، وإنتفض ثائراً مطالباً بحقوقه كبشر سوي.
 
تعيش البلاد اوضاعاً أمنية وسياسية غير مستقرة خصوصاً بعدما تحرك شارع الثنائي الشيعي على الأرض بهدف المواجهة، وما تبعه من اعلان الرئيس سعد الحريري عن عدم رغبته بالعودة الى السراي الحكومية. وهاجمت ميليشيات مناصرة للثنائية الشيعية ساحات الاعتصام في رياض الصلح والشهداء في بيروت، وقامت بتسيير مواكب داخل أحياء حساسة في العاصمة. غير أن اللافت هو تمدد تلك الهجمات لتشمل صور، في جنوب لبنان، وبعلبك شرقا، وهما مدينتان ذات أغلبية شيعية يفترض أنها محسوبة على “بيئة المقاومة”. ويرى مراقبون أن التوتر في الشارع يكشف ارتباك الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر وعجزا عن توفير مخارج تنهي الانسداد السياسي للأزمة الحالية. لذلك تزداد الأزمة اللبنانية تعقيداً. ولا توحي الوقائع بالذهاب نحو إيجاد حلول جذرية للمشاكل المستفحلة. 
 
وبسبب سياسة التعنّت وعدم امتلاك جرأة الإقدام على تقديم التنازلات تماشياً مع المصلحة العليا للبلاد، شارفت الأمور على الوصول إلى المحظور، هذا إن لم يكن لبنان قد وقع فيه، ليس على الصُعد السياسية والاقتصادية والمالية فقط، بل حتّى أمنياً بعد المشهد الذي تجلّى على جسر الرينغ من اعتداءات على المتظاهرين.
 
وفيما تستمر المراوحة السياسية على حالها، ازداد الاهتمام الدولي بالشأن اللبناني عن طريق إيفاد الدول لمبعوثيها بهدف الاستطلاع لتقدير إمكانية الاضطلاع بمبادرات دولية تحفظ الإستقرار وتمنع لبنان من الانهيار. 
 
وأصبح واضحاً أن الموقِفين الفرنسي والبريطاني يتعارضان مع الموقف الأميركي المتشدّد، ما يعني أن التجاذب المحلي سيبقى مستمراً، طالما أن لا مبادرة دولية فعلية للخروج من الأزمة. وبانتظار أي مبادرة دولية، يبقى الأفرقاء في حالة استثمارهم بالوقت الضائع، غير آبهين بالوضع الاقتصادي الذي بدأ مساره الانحداري. وبناءً على ذلك أصبحت التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية الصعبة جداً تتكلم عن نفسها ولا ضرورة للغوص في التفاصيل، لأنّنا دخلنا في النزاع الأميركي-الايراني بكل تشعباته. ويرى مراقبون أن بيان الحريري الأخير رفع من مستوى التوتر داخل الطبقة السياسية وأضاف بعداً معقدا للمشكلة. ولم يستبعد هؤلاء استمرار وجود قنوات تواصل مع الحريري، حتى بعد بيانه، لإيجاد مخارج جديدة، فيما رأت مصادر أخرى أن بيان الحريري أنهى التسوية الرئاسية بينه وبين الرئيس ميشال عون وحزب الله، والتي كانت تقوم على أن يترأس الحريري كل حكومات العهد العوني. وفيما يفضّل حزب الله وحركة أمل استمرار المفاوضات وانتظار اللحظة المناسبة للدخول إلى تسوية جديدة، تفيد المعلومات بأن رئيس الجمهورية ميشال عون كان مصمماً على الذهاب إلى تشكيل حكومة من لون واحد، لكن اتصالات سياسية أُجريت مع بعبدا لثنيه عن ذلك، لأن أي خطوة من هذا النوع ستؤدي إلى تفاقم الأزمة. ويحاول الثنائي الشيعي ايضا تفادي أي إنزلاقات داخلية، أو الدخول في صدام سني- شيعي، ويعمل على ضبط الشارع، من دون التخلي عن توجيه الرسائل عندما يحتاج الأمر إلى ذلك عبر مهاجمة المتظاهرين من اجل تخويفهم.
 
ويؤكد الجميع أن الإنجرار إلى فتنة سنية  شيعية لا يريدها أحد، بينما الحل هو سياسي بامتياز، ولا يقف عند حدود تكليف رئيس الحكومة، بل تأليف حكومة ترضي الشارع وتبث اجواء إيجابية في البلاد، وتعيد الثقة إلى الدولة.لكن من الواضح ان السياسيون في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، هذا الشعب يريد ان يخلع كل هذه السلطة السياسية الفاسدة، ولا يمكن هذا الطقم السياسي ان يطرد هذا الشعب أو يعيده الى الخصوع والخنوع والصمت، المسؤولون يحاولون الترقيع، إما لأنهم يتخبطون في الفشل، ويخشون الوصول الى يوم الحساب العسير، وإما لأن البعض الآخر يخشى تغيّر الموازين وإختلال المعادلات وتبدل الأحجام والأدوار في ظل ما يجري في المنطقة 43 يوماً والشعب ينادي بضرورة تنظيف البيت الوسخ، ، ولكن مكانك راوح .
لماذا الخوف من حكومة تكنوقراط طالما ستنال الثقة من المجلس النيابي، وستعمل بإشرافه ورقابته، وستكون دائماً عُرضةً للإقالة الفردية لوزرائها، والجماعية لكامل الحكومة؟ 
 
إذاً لماذا لا تذهبون أيها السادة الى إستنساخ حكومة سياسية، حكومة اللون الواحد لتنتشلوا السفينة الغارقة، أو بالأحرى التي تركتموها تغرق، وأنتم تتصورون ان حكومة تكنوسياسية، تبقي أرجحية القرار عند الأحزاب هي الحل، ثم بدأتم تتحدثون عن تعويم الحكومة المستقيلة، والمضحك المبكي أنكم تتحدثون عن تجديد إعطائها الثقة في مجلس نواب يرى الشعب أنه فاقد لكل ثقة. لذلك خلاصة القول بانه كفى ترفاً وحذار من المضي في ممارسة سياسة اللعب على حافة الهاوية لان الجميع سيقع بها .