لم يعد خافياً على أحد تورط كل من رئيس مجلس الإنماء والإعمار (الوكر الأكبر لنهب المال العام في لبنان) نبيل الجسر ومتعهد المجلس الرئيسي جهاد العرب في أبرز صفقات ملف النفايات (وما يتفرّع عنها من صفقات تطال كثيرين أيضاً)، بدءاً بمعامل الفرز ومروراً بمعامل "الكومبوستينغ" وانتهاء بالمطامر. ولعل السمة البارزة في دائرة نشاط هذين الرجلين هي ارتباطهما المباشر برئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وما له من "مَونة" عليهما لم نرها تُترجم إلا ضغطاً على القضاء وعلى أجهزة الضابطة العدلية وعلى نقابة المحامين رغم كل المزاعم المخالفة، وذلك لمنع أي تحقيق جدّي من كشف تورطهما في أهم ملفات الفساد وما نتج عنها من أضرار جمّة لاسيما على البيئة وحياة الناس وأمنهم الصحي والاجتماعي بعد تفشّي الأمراض بشكل غير مسبوق نتيجة ارتكاباتهما وما نالاه من غطاء حكومي.
 
وبعد أن سلك، على ما يبدو، ملف الفساد في الضمان الاجتماعي طريقه إلى المحاسبة الفعلية، والتي لا تتم إلا بتوقيف المرتكبين وإعادة ما اختلسوه من أموال عمومية، بعد متابعات حثيثة شملت رئاسة الجمهورية، وضع محامو متحدون نصب أعينهم تالياً التصدي لملف الفساد في النفايات آملين أن تنسحب الاستجابة الجدّية لمتابعاتهم الحثيثة هذا الملف الحساس والذي لا يمكن غض النظر فيه عن التلوث الهائل للبحر والبر والهواء والمياه الجوفية والانتشار الكبير للأمراض المزمنة والمستعصية ومنها السرطان والتي لم توفر الأطفال من فقدان المناعة والوفاة وسواها، ناهيك عن تعريض السلامة العامة ومنها سلامة الملاحة الجوية لأخطار كادت تودي بحياة الكثيرين.
 
وهذا كله ليس كلاماً في الهواء بل حقائق موثّفة بعشرات الدعاوى القضائية المرفقة بالمستندات الثبوتية القاطعة أمام النيابات العامة التمييزية والمالية والاستئنافية والبيئية في بيروت وجبل لبنان والبيئية أيضاً في الشمال وهيئة التفتيش القضائي ومجلس شورى الدولة وقضاء التحقيق في بيروت وجبل لبنان وقضاء العجلة في عاليه وبيروت والمتن وطرابلس والمنية، والمدعى فيها بهدر واختلاس الأموال العمومية وأموال الهبات والرشاوى والاستغلال الوظيفي وصرف النفوذ ومخالفة أحكام المحافظة على البيئة ضد التلوث وأحكام اتفاقية برشلونة لحماية المتوسط والتعدي على حياة وصحة وسلامة المواطنين وتعريض سلامة الطيران للخطر إلخ، والتي تقدّم بها محامو متحدون وشركاؤهم على امتداد فضائح مطمر المطار في الكوستابرافا (زائد فضيحة معمل الكومبوستينغ هناك) ومعامل فرز النفايات في العمروسية والكرنتينا والكورال (الكومبوستينغ) ومطامر برج حمود والجديدة وطرابلس ومعمل فرز المنية، والتي لم ترقَ للأسف وتيرة التحقيقات فيها إلى مستوى الويلات والمعاناة التي خبرها اللبنانيين في بيئتهم وصحتهم.
 
فهل يبدأ العد العكسي لاجتثاث أبرز رموز الفساد بعد مخاض "الثورة القضائية" التي أطلقها تحالف متحدون وسواه من الخيّرين والتي تلتها انتفاضة اللبنانيين الأخيرة؟