التوتر في الشارع اللبناني يكشف ارتباك الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر وعجزا عن توفير مخارج تنهي الانسداد السياسي للأزمة الحالية.
 
قالت مصادر سياسية لبنانية إن المعركة الدائرة حاليا في لبنان تجري على خطين متوازيين. الأول يستهدف اغتيال الانتفاضة الشعبية التي لم تفقد زخمها منذ 17 أكتوبر الماضي. والثاني إيجاد توليفة حكومية مناسبة بعد إعلان رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري عدم رغبته في تشكيل الحكومة المقبلة.
 
واعتبر سياسي لبناني أن الساعات الأربع والعشرين المقبلة ستكون حاسمة، واصفا ما حصل في شوارع بيروت وطرابلس وبكفيا ليل الثلاثاء الأربعاء بأنه محاولة للضغط على الحريري للتراجع عن قراره بالامتناع عن ترؤس الحكومة المقبلة أو على الأقل قبول من يرشحه تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل.
 
ولفت السياسي إلى أن ليل الثلاثاء الصاخب الذي أشاع مخاوف من صدامات واسعة كان كذلك بمثابة إنذار للانتفاضة التي أكملت الأربعينية من دون أن تنزلق إلى الرد على الاستفزازات التي لم تتورع عن استخدام مفردات لترهيب الشارع ومعظم اللبنانيين المؤيدين للمنتفضين.
 
ولم يستبعد قبول الحريري مرشحا بديلا لترؤس الحكومة علما أن الثنائي الشيعي وحليفه التيار الوطني الحر خصوصا كثفا حملات التشكيك في نيات رئيس حكومة تصريف الأعمال واتهامات له بالتعطيل وتحريض الشارع. وذكر السياسي أن طرح اسم سمير الخطيب كما طرح سابقا محمد المخزومي لتكليفه بتشكيل حكومة غير جدي.
 
وهاجمت ميليشيات مناصرة للثنائية الشيعية ساحات الاعتصام في رياض الصلح والشهداء في بيروت، وقامت بتسيير مواكب داخل أحياء حساسة في العاصمة. غير أن اللافت هو تمدد تلك الهجمات لتشمل صور، في جنوب لبنان، وبعلبك شرقا، وهما مدينتان ذات أغلبية شيعية يفترض أنها محسوبة على “بيئة المقاومة”.
 
وامتدت أخطر القلاقل لتطال ساحة النور في مدينة طرابلس، شمالاً، حيث هاجم “مجهولون” المتظاهرين وألقوا قنبلة لم تنفجر على وحدات للجيش اللبناني، كما قاموا بتكسير المحلات والسيارات ومهاجمة مركز التيار الوطني الحر في المدينة.

وتناقلت وسائل إعلام صورا أظهرتها كاميرات مراقبة لعناصر قيل إنها مندسة مجهولة، حاولت تخريب “العرس” الذي أظهرته طرابلس وفاجأت كل لبنان منذ بداية الحراك.

وطالت الصدامات مدينة بكفيا، في منطقة المتن، حين حاول موكب تابع للتيار الوطني الحر التوجه إلى منزل الرئيس الأسبق أمين الجميل في المدينة ردا على قيام موكب لحزب الكتائب بالتظاهر أمام منزل وزير الخارجية، ورئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل في الرابية قبل أيام.

وقد أدى الأمر إلى حدوث أول صدامات داخل الشارع المسيحي اضطر الجيش إلى التدخل لوقفها. وكانت أخطر الصدامات قد جرت حين حاول مناصرون لحزب الله وحركة أمل الدخول من منطقة الشياح (الشيعية) إلى منطقة عين الرمانة (المسيحية). وتسبب الأمر في حدوث صدامات مع مناصرين لحزب القوات اللبنانية (بزعامة سمير جعجع). وأعادت الحادثة اللبنانيين بالذاكرة إلى الحرب الأهلية السيئة الذكر التي اندلعت على حدود الشياح-عين الرمانة قبل أن تمتد إلى خطوط تماس أخرى في لبنان.

ويرى مراقبون أن التوتر في الشارع يكشف ارتباك الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر وعجزا عن توفير مخارج تنهي الانسداد السياسي للأزمة الحالية.

وفيما رددت أوساط قريبة من قصر بعبدا عزم الرئيس ميشال عون على دعوة النواب إلى الاستشارات الملزمة لاختيار رئيس للحكومة المقبلة، وفيما راج اسم سمير الخطيب كشخصية يمكن التوافق حولها، بقي الأمر ضمن إطار الإشاعات، ولم يصدر عن قصر بعبدا قرار رسمي لتحديد موعد الاستشارات.

ويرى مراقبون أن بيان الحريري الأخير رفع من مستوى التوتر داخل الطبقة السياسية وأضاف بعداً معقدا للمشكلة. ولم يستبعد هؤلاء استمرار وجود قنوات تواصل مع الحريري، حتى بعد بيانه، لإيجاد مخارج جديدة، فيما رأت مصادر أخرى أن بيان الحريري أنهى التسوية الرئاسية بينه وبين الرئيس ميشال عون وحزب الله، وهي كانت تقوم على أن يترأس الحريري كل حكومات العهد العوني.


ولفت سجال بين رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبر عن امتعاضه من عدم دعوة الحريري إلى اجتماع لحكومة تصريف الأعمال لمعالجة المشاكل العاجلة في البلد، فجاء رد مصدر مقرّب من الحريري لبري: “الحكومة تقوم بواجباتها والأهم بدء الاستشارات”.

وتلفت مصادر دبلوماسية غربية في بيروت إلى أن السفارات الأجنبية تراقب عن كثب الوضع الداخلي في لبنان وتبدي قلقا من احتمال انهيار الوضعين الأمني والمالي على نحو يشكل خطرا أمنيا إقليميا.

واعتبرت المصادر أن الاهتمام الدولي الذي تمثل في تحرك موفدي فرنسا وبريطانيا باتجاه بيروت، سيزداد في الساعات المقبلة على وقع الصدامات التي يزداد انتشارها في لبنان.

 وقالت هذه المصادر إن تحذير الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان للكونغرس الأميركي من تمدد نفوذ روسيا إلى لبنان بسبب أي انكفاء أميركي، أعاد رفعه السيناتور الأميركي كريس مورفي، الذي غادر لبنان الثلاثاء، منبهاً إلى خطط روسيا في هذا البلد، ومعتبرا أن حجب المساعدة الأميركية عن الجيش سيؤدي إلى حلول روسيا محل الولايات المتحدة.

وغرد مورفي، الذي التقى قائد الجيش جوزيف عون في إطار زيارة دامت 24 ساعة، مطالبا بضرورة إفراج واشنطن عن المساعدة العسكرية المقدّرة قيمتها بـ105 ملايين دولار. وحذّر مورفي من تكرار السيناريو الأوكراني في لبنان، مشددا على أن “هذه اللحظة خطيرة”، وأن “الأمر هام، وعليكم معرفة ذلك”.