سقط الاضراب الذي كان مقرراً أن يبدأ اليوم بالضربة القاضية، بعدما تهاوت تباعاً الكيانات المؤيدة له. ولعلّ قرار المصارف بعدم الالتزام بالاضراب، كان بمثابة رصاصة الرحمة التي استدعت لاحقاً إعلان الهيئات تعليقه.
 

على عكس ما روّج له في الايام الاخيرة بأنّ المصارف دفعت في اتجاه اضراب الهيئات الاقتصادية لتتلطى وراءها وتجد ذريعة للاقفال، أعلنت المصارف أمس عدم التزامها بالاضراب الذي دعت اليه الهيئات رغم انّ ممثلها كان من المؤيدين للاضراب داخل اجتماع الهيئات الاخير، والذي أفضى الى هذا القرار.

ومع إعلان اكثر من فاعلية اقتصادية، لاسيما منهم التجار، ترك حرية الالتزام بالاضراب لكل طرف وفق ما يراه مناسباً، تكون غالبية مكونات الهيئات الاقتصادية، والتي وافقت بالاجماع على قرار الاضراب لمدة ثلاثة ايام، عادت وتنصّلت منه، ربما لعدم قدرتها على تحمّل المزيد من الخسائر الاقتصادية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. وعليه، انتقل الحدث الاقتصادي اليوم من اضراب الهيئات الاقتصادية الى الاضراب المفتوح الذي أعلن عنه اصحاب المحطات.

تزامناً مع إضراب الهيئات الاقتصادية وليس بالاتفاق معهم، يبدأ اصحاب محطات المحروقات اليوم إضراباً مفتوحاً بعدما قضى ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة على ما تبقّى لهم من جعالة. لذا، عمدت غالبية محطات المحروقات اعتباراً من مساء امس الى الاقفال.

وفي هذا السياق، أوضح جورج البراكس، باسم محطات المحروقات، لـ«الجمهورية» انّ الاضراب سيكون مفتوحاً ولن يقتصر على 3 ايام فقط نتيجة الاوضاع التي وصلنا اليها، اذ لا يجوز انّ جعالة المحطات التي هي 1900 ليرة، بتنا نخسر منها ما يفوق الـ1800 ليرة مع فرق سعر صرف الدولار، بما يعني انّ جعالتنا طارت وعملنا بات خسارة بخسارة. وكشف انّ عدداً كبيراً من اصحاب المحطات توقف عن توزيع المازوت لأنّ بيعه خسارة، امّا بيع البنزين فكان مستمراً حتى الامس تلبية لرغبة زبائننا.

وأوضح: نحن لا علاقة لنا بموقف الهيئات الداعي الى الاضراب لثلاثة ايام، فقد كنّا نعتزم إعلان الاضراب المفتوح لكننا حاولنا ايجاد حلول لأزمتنا مع المعنيين، لذا التقينا للغاية مع وزيرة الطاقة وطلبنا موعداً مع رئيس الجمهورية لم يحدد لنا بعد، ونحن نتفهّمه لانشغاله بالاوضاع السياسية التي تجتاح البلاد لكن لم يعد في مقدورنا الصمود، فقد بدأت مصالحنا بالانهيار ولم نعد قادرين على دفع رواتب موظفينا.

المصارف

من جهته، عقد مجلس إدارة جمعية المصارف اجتماعاً أصدر على أثره البيان الآتي:

«قرّرت جمعية مصارف لبنان اعتبار أيام الخميس والجمعة والسبت في 28 و29 و30 تشرين الثاني الجاري أيام عمل عادية، وذلك لتأمين الخدمات المصرفية للمواطنين، وبخاصة قبض الرواتب والأجور مع حلول نهاية الشهر. وتؤكّد الجمعية ضرورة الخروج من حالة عدم الاستقرار الراهنة عبر تشكيل حكومة تعيد الثقة للبلاد، وتتفرّغ فوراً لمعالجة الملف الإقتصادي والمالي والمعيشي. وتستنكر الجمعية وتدين أعمال الشغب والإعتداءات التي تعرّض لها عدد من فروع المصارف على نحو غير مسبوق، والتي تشكّل استهدافاً للاستقرار الإقتصادي والإجتماعي والأمني ولمصالح جميع اللبنانيّين».

الهيئات تعلّق الاضراب

عقب بيان جمعية المصارف بوقت قصير، أصدرت الهيئات الاقتصادية بياناً أعلنت فيه رسمياً تعليق الاضراب، وجاء فيه:

بعد المراجعات الكثيرة التي تلقتها الهيئات الاقتصادية حول حاجة المؤسسات الخاصة لكل يوم عمل لتغطية مصاريفها التشغيلية بعد الخسائر الكبيرة التي تتكبدها والتي تهدد وجودها، وتجنّباً لحصول نتائج معاكسة للأهداف المرسومة للاضراب، وحفاظاً على استمرار المؤسسات الخاصة وموظفيها في العمل والانتاج خدمة للاقتصاد الوطني في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي يمر فيها بلدنا، وإزاء تزامن الاضراب في 28 و29 و30 تشرين الثاني الجاري مع مواعيد دفع الرواتب للموظفين والعمال العاملين لدى المؤسسات الخاصة وأهمية هذا الأمر لتأمين حاجاتهم الحياتية، وكذلك لتزامن الاضراب مع أيام التسوق (Black Friday)، وبعد التشاور مع قيادة الاتحاد العمالي العام حول ضرورة التنسيق والتعاون بين شركاء الانتاج في ما خصّ الامور ذات الاهتمام المشترك،

وبعد التمني على جمعية مصارف لبنان بضرورة انسجام موقفها مع موقف الهيئات الاقتصادية، قررت الهيئات الاقتصادية تعليق الاضراب العام، على أن تعقد اجتماعاً مطلع الاسبوع المقبل لاتخاذ الخطوات المناسبة. وسبق إعلان تعليق الاضراب مواقف متنوعة ومتضاربة حيال تأييده أو التحفّظ عليه.

السوبرماركت

نقيب اصحاب السوبرماركت نبيل فهد قال لـ«الجمهورية» ان السوبرماركات لن تقفل أبوابها اليوم، وهي مُستثناة من الاضراب الى جانب الافران والصيدليات.

تجار بيروت

وكانت «جمعية تجار بيروت» اعلنت في بيان أنها، و«تحت مظلة الإضراب الذي أعلنته الهيئات الإقتصادية في 28 و29 و30 تشرين الثاني 2019 لِلحَث على تشكيل حكومة جديدة فوراً، ونزولاً عند رغبة عدد كبير من التجار، نعلن الآتي:

- التمسّك بدفع رواتب موظفيهم الشهرية في موعدها الموافق ضمن أيام الإضراب.
- إحترام التزاماتهم المسبقة والكبيرة بحملة Black Friday السنوية المصادفة في الأيام القادمة.

لذلك، إرتأت الجمعية إعطاء الزملاء التجار كامل المرونة لتطبيق قرار الإضراب، بما يتناسب مع ظروفهم الخاصة خلال الأيام الثلاثة القادمة».

تجار جبل لبنان

طالب اتحاد تجار جبل لبنان، في بيان، إثر اجتماع عقده أمس، بـ«ترك الحرية لكافة الجمعيات في أقضية جبل لبنان، بالاقفال او فتح محالهم والمؤسسات التجارية»، معتبراً أنّ «هذا القرار منسجم مع الظروف الاقتصادية الضاغطة على المؤسسات التجارية».

وأمل من الهيئات الاقتصادية «التشاور والتنسيق الدائم» معه، مؤكداً على «أهداف الحراك السلمية تجاه الفساد». ودعا الى «الاسراع في تشكيل الحكومة»، مُثنياً على دور الجيش والقوى الامنية في «الحفاظ على الامن والاستقرار».

الفرانشايز

من جهتها، أشارت الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز الى انّ الإضراب يهدف إلى الحفاظ على ما تبقى من قدرات، ومن أجل الضغط لتشكيل حكومة تستجيب لتطلعات اللبنانيين وتكون قادرة على مواجهة التحديات الهائلة ومعالجة الأزمات، وتعيد الثقة بلبنان في الداخل ولدى المجتمع الدولي.

وأملت بتضافر الجهود للوصول الى الهدف المنشود، ولاستعادة لبنان عافيته.

المقاولون

وقبل إعلان تعليق الاضراب، أعلن مجلس إدارة نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية برئاسة النقيب مارون الحلو، دعمه وتأييده لدعوة الهيئات الإقتصادية الى الإضراب العام والاقفال التام أيام الخميس والجمعة والسبت في 27 و28 و29 الجاري.

جاء ذلك خلال اجتماع مجلس الادارة الدوري الذي عقده أمس في مقر النقابة في حضور الأعضاء. وشددت النقابة، في بيان أصدرته بعد الاجتماع، على انّ قطاع المقاولات وكما سائر القطاعات الإقتصادية يئنّ تحت وطأة الوضع الاقتصادي والمالي المتردي والذي ينذر بحصول إفلاسات بالجملة، وهذا الوضع يترجم كما يلي:

- أولاً، عدم قيام الحكومة بتسديد المستحقات المترتبة عليها للمقاولين.

- ثانياً، لقد قامت المصارف بإجراءات غير قانونية وغير مسبوقة تجاه الشركات، حيث تم إلغاء التسهيلات وتوقيف التحويلات والاعتمادات الى الخارج. كما ألغت إصدار كفالات مصرفية مما يمنع المقاولين من المشاركة في مناقصات جديدة.

- ثالثاً، الضربة القاضية كانت بزيادة قيمة الفوائد السنوية على التسهيلات الممنوحة سابقاً بأقل من سنة حيث ازدادت من 7% الى 22%، مما يهدّد الشركات بإفلاس كامل ومصادرة الأملاك الضامنة للتسهيلات.

- رابعاً، التشديد على قرار النقابة السابق بوقف جميع الأعمال في المشاريع في القطاعين العام والخاص، ومطالبة الدولة القيام بإجراءات تسديد المستحقات والتعويض على العطل والضرر اللاحق بجميع المشاريع.

- خامساً، تكليف مكاتب استشارية مختصة لمواجهة كافة الاجراءات المصرفية، وتجميد الفوائد على الديون في هذه الظروف القاهرة.

الاتحاد العمالي

في المقابل، اعتبر الاتحاد العمالي العام «انّ إضراب الهيئات الاقتصادية وقطع الطرقات وإقفال المصارف والجامعات يسهم في ضرب الاقتصاد»، مُبدياً رفضه «التحجّج بظرف طارئ للقيام بحملة طرد للعمال».

جاء ذلك إثر اجتماع لهيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام برئاسة رئيس الاتحاد بالإنابة حسن فقيه. وطالبَ الاتحاد، في بيان، بالإسراع فوراً إلى تشكيل حكومة طوارئ تتولى عملية إنقاذ البلاد من المزيد من التدهور والانحدار إلى هاوية لا قاع لها.

واستغرب الاتحاد العمالي العام عدم التئام حكومة تصريف الأعمال والقيام باتخاذ القرارات التي ينص عليها الدستور بالمعنى الضيّق وتواجه المسؤوليات المُناطة بها، سواء لجهة الوضع المالي أو النقدي أو الاقتصادي، ووضع حدّ لهذا التسيّب الخطير في فلتان سعر الدولار على حساب العملة الوطنية والخسائر الناتجة عن ذلك.

ورأت أنّ الإضراب الذي دعت إليه الهيئات الاقتصادية، وكذلك قطع الطرق أمام المواطنين وحرمانهم من التنقّل وما سبق ذلك من إقفال للمصارف وأبواب الجامعات والمدارس الخاصة والرسمية، إنما يساهم في ضرب الاقتصاد الوطني.

واعتبر انّ دخول الصناعيين في هذا الإضراب يضرب ما دعونا إليه دائماً من تشجيع للصناعة الوطنية وكفّ يد الوكالات الحصرية عن التمادي في الاحتكار.