الكاتب:د.محمد الجوادي
 
يبدو الرئيس أحمد حسن البكر فيما تبقى من صورته الآن وكأنه شخصية غامضة، حتى وإن كانت شخصيته هذه صاحبة تأثير من أكبر التأثيرات في السياسة العربية المعاصرة، فهو أول بعثي يصل إلى رئاسة الوزارة ثم إلى رئاسة الجمهورية بانقلابين عسكريين ناجحين (1963 و1968)، وذلك بعد أن شارك في الانقلاب العسكري الأول الذي سمي بثورة (1958) ثم يشاء القدر أن يُنحّى هو نفسه عن الرئاسة 1979 بانقلاب طبي بحت، حيث نُسب إليه حقيقة أو زورا أنه مُصاب بالشلل الرُعاش، فلم يعد قادرا على ممارسة السلطة، بينما الحقيقة أن نائبه القوي الرئيس صدام حسين وجد أن الأمر لم يعد يحتمل بقاءه أمامه فأطاح به ثم تكفل الإعلام العربي بسحب الضوء من على صورته التاريخية كي تبدو باهتة أو غامضة في ظلال صنع صورة البطل الأسطوري الذي خلفه، نتأمل التاريخ اليوم فنرى هذا الرجل وكأنه كان ينفذ خطة خمسية في الانقلابات 1958 ثم 1963 ثم 1968 ليصل بالانقلاب الثالث إلى رياسة الجمهورية بسهولة ويسر بينما السلطة المنتفخة الأوداج في مصر الناصرية تعض أصابع الندم، وبينما السلطة المتعاركة مع نفسها في سوريا لا تعرف ماذا تفعل مع هذا البعث العراقي.
 
  
 
ولد الرئيس أحمد حسن البكر في أول يوليو 1913، أي أنه كان أكبر سنا من أسلافه الثلاثة أي قبل عبد الكريم قاسم (1916 ـ 1963) قائد الانقلاب العراقي في 1958، وقبل عبد السلام عارف رئيس جمهورية الانقلاب الثاني (1920 ـ 1966) وعبد الرحمن عارف (1916 ـ 2007) لكنه في هدوء شديد اشترك في الحياة السياسية منذ البداية ونال درجاتها كلها بالتدريج، ومن الطريف في تاريخه أنه كما وصل بثلاثة انقلابات فقد أُبعد قبلها عن الطريق الصاعد ثلاث مرات لكنه عاد في كل مرة أقوى مما كان، حتى كان الإبعاد الأخير قبل الموت بثلاث سنوات. وعلى نحو ما شارك الرئيس أحمد حسن البكر في ثلاثة انقلابات ناجحة فإنه يمكن لنا أن نقول إنه شارك في انقلابين فاشلين (على الأقل) 1941 وفي 1959.
 

عمل الرئيس أحمد حسن البكر في بداية حياته مُدرّسا لكنه التحق بالكلية الحربية بعد أن قضى في وظيفة التدريس 6 سنوات أكسبته الصبر والقدرة على تحمل عدم اللمعان، وتخرج في الكلية الحربية عام 1938 (أي في العام الذي تخرجت فيه في مصر دفعتان هما دفعة الرئيس السادات في فبراير ودفعة الرئيس عبد الناصر في يوليو) وبعد أن تخرج بثلاث سنوات انضم للانقلاب المُبكّر الذي عُرف باسم ثورة رشيد عالي الكيلاني 1941، فلما فشل ذلك الانقلاب حُكم عليه بالسجن وأُجبر على التقاعد، كما حدث مثلا مع الرئيس السادات في مصر، لكن الرئيس أحمد حسن البكر لم يعد إلى الخدمة إلا في 1957 وليس في مطلع 1950 مثل الرئيس السادات أي أنه قضى 16 عاما بعيدا عن القوات المسلحة، كان الرئيس أحمد حسن البكر واحدا من الضباط الذين نفذوا انقلاب 1958 أو ما يُسمّى بثورة 1958 التي أنهت الملكية، لكنه انضم إلى ما عُرف باسم ثورة الموصل التي قادها الشواف ضد عبد الكريم قاسم (في 1959) وانتهت بالفشل ومن ثم أجبر على التقاعد في 1959 أي بعد سنتين فقط من عودته للخدمة، كانت سنة منها في السلطة.

 

استطاع الرئيس أحمد حسن البكر من تحت ذقن الرئيس عبد الكريم قاسم أو من وراء ظهره أن يتوافق مع القوميين العرب، وأن يجعلهم يتوافقون مع حزبه الذي هو حزب البعث كما استطاع أن يضم إلى الضباط السياسيين من القوميين والبعثيين ضباطا آخرين مستقلين، وهكذا كُتب له النجاح في انقلاب فبراير 1963 ضد عبد الكريم قاسم، وهو الانقلاب الذي أنهى حكم عبد الكريم قاسم بل وأعدمه في نفس اليوم، وأذاع إعدامه في الإذاعة، وكان أحمد حسن البكر من الدهاء والاتزان بحيث وافق على أن يكون عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية على أن يكون هو رئيسا للوزراء وهو المنصب الذي استمر فيه 9 أشهر وعشرة أيام فقط حيث وصلت خلافات البعثيين مع عبد السلام عارف إلى نقطة اللا عودة، وأطاح عبد السلام عارف بحكومته وقدم البعثيين للمحاكمة بيد أنه أعفى الرئيس أحمد حسن البكر من العقوبات وإن أصبح الرئيس أحمد حسن البكر للمرة الثانية متقاعدا لكن الرئيس عارف أعاده نائبا له .

 

ومرة أخرى استطاع الرئيس أحمد حسن البكر من تحت ذقن الرئيس عبد الرحمن عارف أو من وراء ظهره أن يقود انقلابا ناجحا ويستولي على السلطة في 17يوليو 1968 وذلك بعد تغير الأوضاع العربية بعد هزيمة 1967 وضعف الموقف الفكري للقوميين، وعجز الناصريين (مرتين على الأقل )عن أن يستولوا على الحكم في العراق نجح البعث العراقي في أن يستولي على السلطة بانقلاب وبهذا الانقلاب عاد أحمد حسن البكر لا إلى السلطة فحسب بل أصبح رئيسا للجمهورية أحد عشر عاما منذ 1968 وحتى 1979 حتى تمكن الرئيس صدام حسين من إزاحته بتقارير طبية في 16 يوليو 1979 وبقي بعدها حتى توفي في 4 أكتوبر 1982 قبل مرور عام إلا يومين على وفاة الرئيس السادات الذي قضى مثله 11 عاما كاملة تماما في الرياسة، وإن كانت رياسة البكر في بدايتها ونهايتها سابقة بعامين وثلاثة أشهر على رياسة السادات،  دفن الرئيس أحمد حسن البكر في مقبرة الكرخ في بغداد.