على حين غرة أعلنت الخارجية الأميركية على لسان وزيرها مايك بومبيو أنها لم تعد تقبل الرأي القائل بأن المستوطنات التي بنتها وتبنيها الحكومات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة غير قانونية بموجب القانون الدولي، وأشارت إلى أنها ستقبل من جهتها بالموقف الذي يقرره النظام القانوني الإسرائيلي.
سريعاً جداً كانت المملكة العربية السعودية تعلن موقفها الرافض لهذا التطور المثير والخطير والذي ينافي ويجافي قواعد القانون الدولي، وبنوع خاص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أن أي قوة محتلة يجب ألا ترحل أو تنقل بعض سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.

 


رفضت السعودية قرار الولايات المتحدة الأميركية تغيير موقفها من المستوطنات الإسرائيلية، وأعلنتها مدوية مؤكدة أن أنشطة الاستيطان التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة تخالف القانون الدولي.
طوال عقود الإشكالية الفلسطينية وقفت المملكة العربية السعودية مدافعة ومنافحة عن حماية حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض تغيير واقع حال الأرض المحتلة، أو المساس بالمقدسات، وفي الوقت عينه قدمت للعالم ولإسرائيل مبادرة تعد الفرصة الذهبية الرائعة والضائعة، والتي لو كانت إسرائيل قد سارت في مسارها منذ العام 2002 لربما كنا في حال غير الحال، لكنه التهرب من استحقاقات السلام، والسعي وراء قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يؤدي بحسب البيان الصادر عن الخارجية السعودية إلى نشوء وارتقاء عقبة كؤود جديدة في طريق تحقيق السلام وسيادة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

 


تنطلق المملكة في مواقفها من عدالة مستقرة ومستمرة، ورؤى تتسق والشرعية الأممية، وهي ترى أن مثل هذا التطور يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضيه، ويباعد بينه وبين حصوله على حقوقه المشروعة وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
جاء الموقف السعودي متسقاً تماماً مع موقفين آخرين لهما وزنهما الاستراتيجي، المادي والأخلاقي أميركياً وعالمياً، ففي الداخل الأميركي وقع نحو 107 من أعضاء الكونغرس على رسالة تشجب تصرف وزارة الخارجية الأميركية على هذا النحو، وتطالب الإدارة الأميركية بالتخلي عن هذا التوجه غير البناء بالمرة، سيما وأنه ينافي ويجافي السياسة الأميركية المتفق عليها منذ عقود بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن عدم شرعية البناء الإسرائيلي على أراضي الفلسطينيين بالقوة الجبرية.

 


ولعلَّ المثير في المشهد الأميركي الداخلي هو أن من حمل راية المبادرة الرافضة لإعلان بومبيو، النائب آندي ليفين المشرع اليهودي الأميركي من ولاية ميشيغان.
الموقف المؤيد للمملكة من جانب آخر جاء من حاضرة الفاتيكان، حيث أصدرت دار الصحافة هناك بياناً جاء فيه أن الكرسي الرسولي، وأمام قرارات أخرى يمكنها أن تلحق المزيد من الضرر بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والاستقرار الإقليمي الهش، يؤكد موقفه إزاء حل الدولتين لشعبين باعتباره الطريق الوحيد لبلوغ حل نهائي للنزاع الطويل.

 


يمكن للمرء أن يحاجج بأن الفاتيكان مجرد منصة أدبية ومعنوية، وإن امتلك قوة إقناع معنوية، ولهذا فإن البيان يأتي متسقاً ووضعية هذه المرجعية الروحية حول العالم.
غير أن موقف أعضاء الكونغرس ربما يحتاج إلى وقفة تحليلية والبحث في عمق تساؤل: «لماذا يعمد هؤلاء إلى سلوك مناهض لتوجه إدارة الرئيس الأميركي؟».
هناك خلفية أخلاقية نادراً ما نراها تحت سماوات واشنطن كانت هي المنطلق الرئيسي لهذا التوجه، فقد اعتبر هؤلاء أن الخطوة الأخيرة بإضفاء مشروعية على المستوطنات الإسرائيلية، أفقدت الولايات المتحدة مصداقية الوسيط النزيه بين إسرائيل والفلسطينيين، وألحقت ضرراً ملموساً بآفاق إحلال السلام، وعرضت أمن الولايات المتحدة وإسرائيل والشعب الفلسطيني للخطر.
يدرك أعضاء الكونغرس أن الإقدام على مثل هذه الخطوة وفي ظل غياب أي أسس قانونية تقوم عليها، يعطي الضوء الأخضر للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وليس لحكومة نتانياهو فقط للمضي قدماً والتوسع الاستيطاني في الضفة وهدم منازل الفلسطينيين، الأمر الذي يعني ومن غير مواراة أو مداراة أن فرص قيام دولة فلسطينية على الأرض تتبخر.

 


من ناحية أخرى يذكرنا نهج نواب الكونغرس المعترضين على القرار الأخير بتوجه جماعة «جي ستريت»، تلك الجماعة التي تتضمن اتجاهات أميركية مختلفة داعمة لدولة إسرائيل، ولا تقتصر على اليهود الأميركيين فقط، إذ فيها من اليمين الأصولي المسيحي الأميركي ما هو أكثر كثيراً جداً.
والمعروف أن تلك الجماعة كانت وحتى وقت قريب جداً جزءًا لا ينفصل عن الايباك، غير أنهم رأوا في دعم هذا اللوبي لإسرائيل خطأ جسيماً يدمر إسرائيل على المدى الطويل من الداخل بزخمها وهي ظالمة غير مظلومة، ولهذا انفصلوا عنها.

 


بالمعيار نفسه رأى أعضاء الكونغرس أنَّ قرار المستوطنات يشكل خطراً على مستقبل إسرائيل نفسها كوطن آمن وديمقراطي للشعب اليهودي.
هل هناك ما تخفيه إدارة ترمب في أكمامها من وراء هذا القرار؟
يجيء القرار مغازلة لتيار اليمين المسيحي الأصولي على أبواب الانتخابات الرئاسية القادمة.