أحزاب السلطة تستقوي بالميليشيات لفرض حكومة تسيطر فيها على الحقائب السيادية.
 
اكتسب رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري مجددا تعاطف الشارع معه بعد رفضه العودة إلى ترؤس حكومة حسب شروط حزب الله وحركة أمل والتيار العوني، فيما اعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن مستقبل الحريري السياسي دخل في نفق المجهول مثل كل أزمات لبنان المتصاعدة.
 
وذكرت الأوساط السياسية أن خطوة الحريري ستقوي شعبيته بعد أن تآكلت إثر انخراطه في التسوية الرئاسية التي لم تكن القواعد الشعبية راضية عنها، كما أنه اتخذ قرارا جريئا قد يقصيه عن الحكم لمدد لا أفق ظاهرا لها.
 
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري عن رفضه إعادة تكليفه لتشكيل حكومة جديدة. وقال في بيان “إنّني متمسك بقاعدة ‘ليس أنا، بل أحد آخر’، لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشباب والشابات والحضور المميّز للمرأة اللبنانية”.
 
وأعرب الحريري عن أمله وثقته بأنّ “رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور وعلى مصير البلاد وأمان أهلها، سيبادر فورا إلى الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة، لتكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة جديدة”.
 
ويأتي هذا التطور ليشكل حدثا مفصليا جديدا في تطورات الأزمة التي بدأت مع اندلاع الانتفاضة الشعبية الحالية في 17 أكتوبر الماضي.
 

وكانت معلومات متداولة، الاثنين، قالت إن رئيس الجمهورية ميشال عون أعطى الحريري مهلة 24 ساعة لكي يحدّد موقفا نهائيا لناحية قبوله بترؤس حكومة تكنوسياسية أو رفضه، على أن يُترك له، في حال تمنعه، حرية تسمية شخصية مقرّبة منه وتكون على استعداد لترؤس حكومة تكنوقراط مطعّمة ببعض السياسيين غير المستفزين.

ويأتي قرار الحريري بعد أن رفع حزب الله وحركة أمل من مستوى الضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية من خلال استخدام الشارع والتهديد بإشعال فتنة كبرى في البلد إذا لم يتم تشكيل حكومة تحظى بحضور سياسي لتحالف الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر.

ورأى رئيس حكومة تصريف الأعمال في بيانه أنه “إزاء هذه الحالة الخطيرة، والمانعة لتفادي الأسوأ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا لا سمح الله، وجدت أنه من واجبي أن أصارح اللبنانيين واللبنانيات، كما عودتهم دائما، لعلّ في هذه المصارحة مدخلا لتحريك عجلة المعالجات وفتح الباب أمام البدء بالحلول السياسية والاقتصادية الضرورية”.

ويحمل موقف الحريري رسالة إلى الداخل وإلى الخارج أيضا ينأى من خلاله بنفسه عن أي مسؤولية للانسداد السياسي الحالي.

ويرى مراقبون أنه لم يعد مقبولا الحديث عن تحركات شعبية عفوية مناصرة للتيارين الشيعيين حزب الله وحركة أمل، وأن المواكب التي تخترق المناطق في بيروت تستدرج صداما أهليا بات مطلوبا من قبل الثنائية الشيعية، وأن استخدام العنف ضد المعتصمين وخيمهم في ساحتي رياض الصلح والشهداء كما ضد ساحة الاعتصام في مدينة صور جنوب لبنان، يعبر عن قرار مركزي لدى الحزب والحركة بإرهاب الشارع المعارض، خصوصا أن هتافات لمناصري حزب الله طالبت بـ”7 أيار” جديد.

ولفت الحريري في بيانه إلى أن “حالة الإنكار المزمن بدت وكأنها تتخذ من مواقفي ومقترحاتي للحل ذريعة للاستمرار في تعنتها ومناوراتها ورفضها الإصغاء إلى أصوات الناس ومطالبهم المحقة”.

وأضاف أنه عندما أعلن للملأ، في السر وفي العلن، “أنني لا أرى حلا للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة إلا بحكومة أخصائيين، وأرشح من أراه مناسبا لتشكيلها، ثم أتبنى الترشيح تلو الآخر لمن من شأنه تشكيل حكومة تكنوسياسية، أواجه بأنني أتصرف على قاعدة ‘أنا أو لا أحد’. علما أن كل اللبنانيين يعرفون من صاحب هذا الشعار قولا وممارسة”.

وأضاف أنه إزاء هذه الممارسات عديمة المسؤولية، والعديد من الأمثلة الأخرى التي لا مجال لتفصيلها اليوم، “أعلن للبنانيات واللبنانيين، أنني متمسك بقاعدة ‘ليس أنا بل أحد آخر’ لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشباب والشابات والحضور المميز للمرأة اللبنانية التي تصدرت الصفوف في كل الساحات لتؤكد جدارة النساء بقيادة العمل السياسي وتعالج الأزمة في الاستشارات النيابية الملزمة التي يفرضها الدستور وينتظرها اللبنانيون ويطالبون بها منذ استقالة الحكومة الحالية”.

وعقب بيان الحريري أصدر أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري تعميما لداعمي التيار قال فيه إنه “بناء على توجيهات الرئيس الحريري نهيب بالجميع التزام حدود القانون ومقتضيات السلم الأهلي وتجنب أي ردات فعل في الشارع أو سواه”.

وتقول أوساط سياسية مطلعة أن قصر بعبدا، كما رئيس مجلس النواب نبيه بري وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، باتوا يتحدثون بصوت واحد لمطالبة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بالقبول بحكومة تكنوسياسية يكون لممثليهم فيها قول فصل في القضايا السياسية الكبرى.
وتضيف أن التصعيد بالشارع هدفه دعم المفاوضات الجارية مع الحريري وإضعاف مناعته أمام الضغوط التي تمارس عليه.

وتكشف المعلومات أن تحالف عون-نصرالله-بري يستند أيضا على ضبابية الموقف الدولي الذي ظهر من خلال زيارة الموفد البريطاني ريتشارد مور وقبله الموفد الفرنسي كريستوف فارنو اللذين قدما تصورا لدعم أي حكومة يرضى بها اللبنانيون، بما فهم أن المزاج الدولي لا يمانع من تشكيل “أي حكومة” وليس بالضرورة برئاسة الحريري.

غير أن هذه القراءة مجزّأة وغير دقيقة ومغرضة، ذلك أن الأوروبيين والأميركيين عبروا عن الحاجة لتشكيل حكومة “تلبي حاجات اللبنانيين”، كما أن ما نقله الموفدان أفاد بأن الدول المانحة لن تقدم دعما إلى لبنان إذا لم تكن الحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

وتؤكد مصادر برلمانية لبنانية أن اللجوء إلى استخدام الشارع يكشف ضعف موقف “أحزاب السلطة” وانكشافه دوليا، ما دفع إلى ممارسة أقصى الضغوط لفرض إنتاج حكومة أمر واقع تفرض بدورها على المجتمع الدولي. وقالت المصادر إن استخدام إرهاب الشارع سببه فشل المفاوضات الجارية مع الحريري كما الفشل في إقناع شخصيات سنية أخرى بتولي مهمة تأليف الحكومة على أن تحظى برعاية الحريري.

وقالت الأنباء إن المداولات التي جرت لإقناع بهيج طبارة إلى القبول بتأليف الحكومة باءت بالفشل، كما فشلت أيضا جهود إقناع شقيقه رياض طبارة بالأمر، كما تحدثت الأنباء عن رفض حزب الله تكليف الأمر إلى النائب عن بيروت فؤاد المخزومي.

ورأت مصادر دبلوماسية في بيروت أن جولات الترهيب التي قام بها مناصرو أمل وحزب الله هي رسائل تلقفتها العواصم الأجنبية واعتبرتها تمثل تحديا لجهود التهدئة التي تعمل عليها كما جهود دعم البلد وإنقاذه ماليا. ولفتت هذه المصادر إلى أن التلويح غير المباشر بـ”7 أيار” جديد يراد من ورائه تعويم دور إيران التي تدخلت لإيجاد حل لـ”7أيار” السابق.