حان وقت عودة نظام الشاه الإيراني الجديد على أعقابه، منتوف الريش، مكسور الجناحين، إن لم يكن اليوم فغدا، فلكل بداية نهاية.
 

الحقيقة التي لا يمكن نكرانها أن الإيرانيين والعراقيين، على امتداد أجيال وأجيال، كانوا يتزاورون دون أذونات دخول، ويتزاوجون. وكانت زهور حسين الشيعية العراقية من أصل إيراني ويوسف عمر السني البغدادي، يغنيان بالفارسية في الإذاعة الوحيدة، التي يستمع إليها أصحاب الحكم العراقي ومعارضوهم، ولا أحد يشتكي أو يعترض.

وعشراتٌ من أبرز الأدباء والشعراء والتجار وقادة الجيش والأمن وشرطة الحدود، كانوا من أصول إيرانية استوطن أجدادُهم وآباؤهم العراق، وحصلوا على جنسيته، وأصبحوا من أهله المحترمين الأوفياء، بل من أكثرهم وطنية عراقية صافية، وغيرة عليه.

ولم تتغير الأمور إلا حين حكمت الظروف “المُحيـِّرة” بصعود اثنين، صدام حسين والإمام الخميني، إلى موقع القيادة في البلدين، وفي نفس العام، وبالانقلاب.

الأول ارتكب غلطة الشاطر، حين طرد ضيفه الإمامَ السياسي، الذي “كان” يعشقه الكثيرون من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين الشيعة، بطلب من الشاه، بعد توقيع اتفاقية الجزائر. رماه صدام مع ولده على حدود الكويت، التي رفضت منحه تأشيرة دخول، خوفا من غضب الشاه، لتلتقطه فرنسا وأميركا وتحملانه إلى باريس وتُعينانه على نشر رسائل الكاسيت، التي أسقط بها حكم الشاه، ليصبح حاكم إيران المطلق القوي، وليرفع شعار تصدير الثورة لإسقاط “الدكتاتور البعثي الكافر” في العراق.

والثاني أي الخميني كان الأكثر عنادا وجبروتا وعنجهية. فقد ترجم حقده الشخصي والقومي والطائفي على الحاكم الذي أهانه ذات يوم بإعلان دعوته إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض حكومات المنطقة، وأولها العراق. وقد أشعل ذلك بينهما حرب الثماني سنوات، التي خلفت الملايين من القتلى والمفقودين والأسرى والمشوهين. وأحرقت مئات المليارات من الدولارات من موارد الدولتين ورسخت الاقتتال المذهبي بين من أيد هذا ومن عاضد ذاك.

في المقابل لجأ صدام إلى الاستنجاد بالعصبية القومية العروبية لجعل حربه دفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي ضد الهجمة الفارسية “المجوسية” لاستثارة حمية عروبة المصريين والأردنيين وعرب الخليج.

واندفع الخميني إلى إنعاش العنصرية الفارسية، مستغلا دعاية صدام ضد الأمة الفارسية وأمجادها القومية القديمة، جنبا إلى جنب مع جهده الكبير الذي بذله لاستثمار مظلومية الشيعة العراقيين والعرب، في ظل حكم الطائفة السنية في العراق وفي غيره من الدول العربية التي يتواجدون فيها، رافعا شعارات نصرة الإمام علي، الذي اغتصبت منه الخلافة، والثأر للإمام الحسين من قاتليه.

شيء آخر. لقد تعلم الخميني من هزيمته في حرب الثماني سنوات مع خصمه الشخصي والقومي والمذهبي، صدام حسين، أنَّ خوض حربه ضده بوكلائه المحليين أضمن للنتيجة، وأقل تكلفة من خوضها بجنود جيوشه الإيرانية وسلاحها. فعمد إلى تأسيس الأحزاب والتجمعات والمنظمات والميليشيات من أبناء الدول التي يريد غزوها. وأوصى قادة نظامه باتباع النهج ذاته، والالتزام به لإكمال المسيرة نحو دولة الخلافة الجديدة، لكن وفق شروط الخميني وفهمه وقناعاته، وحده لا شريك له.

ورغم رحيله فقد بقيت فتاواه وتوجيهاته وراءه ترسم سياسات وريثه الولي الفقيه.

والحقيقة أن نظام صدام لم تُسقطه دباباتُ الأميركيين، وحدها، بل المعونةُ الإيرانية والسورية الأسدية التي لا تنكرها إيران، بل تباهي بها على الدوام.

وهنا نأتي إلى الخلاصة، ونسأل، ما نفع سياسة القمع والقتل والاغتيال وتفجير المفخخات وإيقاظ الأحقاد الطائفية النائمة، وتبنّي خونة أوطانهم الفاسدين الجهلة المتخلفين وتسليطهم على الشعب العراقي؟ وما نفع إغضاب ملايينه الصابرة، الشيعية قبل السنية، والعربية قبل الكوردية والتركمانية، والمسلمة قبل المسيحية، وجعلِها تترقب الساعة التي ترى فيها نهاية الظلم والظالمين؟

سؤال آخر، كم يبلغ عدد الموالين لنظام القتل الإيراني في العراق؟ أليسوا، في الجسد الوطني العراقي الأبي الأصيل، فئةً ناشزة، ونقطة في بحر؟

إذن، وبعد رحلة مضنية دامية طويلة قطعها نظام الشاه الإيراني الجديد من طهران إلى بغداد، ومنها إلى دمشق وبيروت، وأنفق عليها سيولا من دماء الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم، وأطنانا من الدنانير والتومانات والدولارات، حان وقت عودته على أعقابه، منتوف الريش، مكسور الجناحين، إن لم يكن اليوم فغدا، وإن لم يكن غدا فبعد غد. فلكل بدايةٍ نهاية، ولكل ذهابٍ إياب.

كلمة أخيرة. مثلما حدث للمنتفضين الإيرانيين، في الأيام الأخيرة، سوف يحدث لإخوتهم المنتفضين العراقيين، إن هم تراجعوا أو تكاسلوا أو صدقوا وعود الغدارين.

فسوف يتلقَّطُهم الجلادون، واحدا واحدا، مدينة مدينة، وقرية قرية، وشارعا شارعا، ودارا دارا، ولاتَ ساعة مندمٍ، كما يقولون.

فمن أجل سلامتكم وخلاص شعبكم ووطنكم، يا ثوار شهر تشرين الفضيل، اصبروا وصابروا فأنتم الغالبون.