المحتجّون في لبنان يخشون على حراكهم من التدخلات الخارجية تحت أي مسمّيات.
 
حملت احتجاجات الأحد في مناطق عدة في لبنان تحت عنوان “أحد التكليف” رسالة مباشرة للرئيس ميشال عون تحثه فيها على ضرورة دعوة الكتل النيابية للاستشارات المُلزمة، للاتفاق على رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة، خاصة وأن الوضع في البلاد لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة.
 
ولم يرشح إلى الآن ما هو جديد على الساحة السياسية في ظل تمترس كل طرف خلف مواقفه، مراهنين في الآن ذاته على عامل الوقت في انحسار الاحتجاجات، وهو ما يبدو أنه رهان خاسر في ظل تلويح المتظاهرين بالتصعيد عبر شن إضراب عام الاثنين، وصولا إلى العصيان المدني.
 
وجدد المحتجون في اليوم التاسع والثلاثين لاحتجاجاتهم مطالبتهم بتشكيل حكومة تكنوقراط، بديلة لحكومة سعد الحريري، التي أجبروها على الاستقالة في 29 أكتوبر الماضي، وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال.
 
ويربط عون الدعوة إلى استشارات ملزمة لتشكيل حكومة بالتوصل إلى توافق بين القوى السياسية وممثلين عن الحراك الشعبي حول شكل الحكومة المقبلة، ومؤثثيها، وهذا الأمر وإن كان محل ترحيب من البعض في الأيام الأولى من استقالة الحريري، فإنه مع استمرار الأزمة تحول إلى عنصر ضاغط، وباتت هناك شبه قناعة بأن الرئيس اللبناني وفريقه السياسي يستغلون سلطاته لخدمة وتمرير أجندته التي تتعارض مع مطالب المحتجين.

وشهدت الواجهة البحرية في مدينة صيدا (جنوب)، تجمعا لمحتجين حملوا الأعلام اللبنانية، وشعارات تطالب عون بتكليف شخصية بتأليف حكومة قادرة على إنقاذ البلد من الأزمتين السياسية والاقتصادية؛ إذ يعاني لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990. ويرهن الحريري قيادته للحكومة المقبلة بأن تكون حكومة تكنوقراط حتى لا يرفضها المحتجون، لكن يوجد طرح آخر لتشكيل حكومة هجينة من سياسيين واختصاصيين، وهو ما يدعمه كل من الرئيس عون، والتيار الوطني الحر، والثنائية الشيعية الممثلة في “حزب الله” وحركة “أمل”.

وفي صور (جنوب)، نظّم شباب في ساحة المدينة فطورًا، تحت شعار “خبز وملح”. وأحضر المشاركون الطعام من منازلهم وافترشوا الساحة، مطلقين هتافات تدعو إلى تشكيل حكومة إنقاذ، ووقف التدخلات الخارجية.

وتجمع عشرات المحتجين اللبنانيين، أمام مقر السفارة الأميركية للتنديد بما اعتبروه تدخلات واشنطن في شؤون بلادهم. وردد المتظاهرون هتافات، منها “ما بدنا استعمار” و”بيروت حرّة”. فيما رصد انتشار كثيف لعناصر الجيش، عند المداخل المحيطة بمنطقة عوكر، التي تتواجد فيها السفارة، وقطع الطريق أمام حركة السيارات، على مسافة بعيدة نسبيا من مكان تجمع المتظاهرين.

وكانت دعوات انتشرت السبت عبر منصات التواصل الاجتماعي للتظاهر أمام السفارة الأميركية رفضا للتدخلات الخارجية في شؤون لبنان، وأبرزها ما عبّر عنه السفير الأميركي الأسبق (في لبنان) جيفري فيلتمان.

وقدم فيلتمان، الأستاذ الزائر لدى معهد “بروكنز”، قبل أيام، رؤيته للاحتجاجات في لبنان وكيفية التعاطي معها أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي، المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي. وهو ما اعتبره المحتجون تدخلًا في الشأن اللبناني.

ويفتح استمرار الأزمة في لبنان الباب أمام التدخلات الخارجية التي ظهرت مؤشرات عدة عنها في الأيام الأخيرة، الأمر الذي يثير قلق المحتجين من ضياع بوصلة حراكهم المندلع منذ 17 أكتوبر الماضي.

ورغم أن ما صدر حتى اللحظة عن الولايات المتحدة يندرج في سياق الضغط للاستجابة لمطالب الحراك فإن المحتجين يعتبرون أن هذا الأمر لا يخدمهم في ظل وجود متربصين بالحراك يحاولون تشويهه فضلا عن قناعتهم بأن خلف هذا الدعم غايات ترمي واشنطن لتحقيقها.

وقالت السفارة الأميركية، عبر موقعها على “تويتر” في 16 نوفمبر الجاري، “ندعم الشعب اللبناني في مظاهراته السلمية وتعبيره عن الوحدة الوطنية”.

وتقول أوساط سياسية لبنانية إنه لا يمكن تجاهل حقيقة التدخلات الأجنبية، سواء كانت من قبل القوى الغربية وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا، وفي الشق المقابل إيران التي تخشى أن تؤدي الانتفاضة اللبنانية إلى خسارة ما حققته عبر ذراعها حزب الله المسيطر حاليا على القرار السياسي في هذا البلد.

واتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط “بعض السفراء ووزراء الخارجية” الأجانب، بالتدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية.

وكتب عبر موقعه على “تويتر” السبت “حتى بعض السفراء الفاعلين وبعض وزراء الخارجية دخلوا على خط تشكيل الوزارة (الحكومة) لزيادة التعقيد إلى جانب الطبقة السياسية الرافضة للتنازل والمتمسكة بالبقاء”.

وأضاف “وكي لا يزيد التنظير والتأويل حول ما سبق وقلته، أتمنى أن يتوافق السفراء والخبراء وكبار القوم بسرعة لتشكيل الوزارة (الحكومة) وكلهم بلا استثناء يؤيدون استقرار لبنان وفق ما يقولونه”.

وتلفت الأوساط إلى أنه على ضوء هذا المشهد المتداخل فإنه لا توقعات كبيرة بشأن قرب تحقيق انفراجة سياسية في الأفق فيما الوضع الاقتصادي يتجه بسرعة نحو الكارثة.