وحده من بين المراجع الدينية اللبنانية قال كلمة الحق لم يبايع و لم يهادن و لم ينافق طمعاً بما يطمع به رجال الدين من رضا السلطان و السلطة و أدان الجميع دون إستثناء لم يقف مع رئيس ضدّ رئيس ولا مع كرسي دون أخرى و إعتبار الكل مسؤولاً عن أزمة البلاد و العباد و لرفضهم القبول بحراك الناس و التجاوب معه و ملاقاته و سط الطريق كي تواجه أزمة هي أم الأزمات في تجربة لبنان مع الأزمات .
 
لم يبادر الغافلون على كراسيهم من القيادات الدينية لقول الحق و إن أغضب السلاطين رغم أنهم قضوا حياتهم في الوعظ لنصرة المظلوم و مواجهة الظالم و ساعة الحشر تتبخر الكلمات و لم يعد الوعظ نصرة للمظلوم بل يصبح دعاءً للظالم تماماً كم يفعل الفنانون العرب و المثال السوري أكثر حضوراً اذ أنهم يلكون السلطة بأفواههم طيلة صعودهم الفنيّ وعندما تأتي الثورة التي حرضوا الناس عليها و دعوهم  للقيام بها يقفون ضدّها كما هو حال الممثل السوري دريد لحام الذي برع في توصيف الوضع العربي في ظل الأنظمة الستبدّة و في دعواته المتكررة لصحوة عربية تطيح بهذه الأنظمة و قد تبع الممثلين السياسيون الصغار و الجُدُد من قبيل من حمل الملفات الساخنة وحرّض الناس على فتحها كبداية مطلوبة لمقاومة الفساد وعندما تجاوب الناس مع الدعوة هرب المحرّض و أعلن العداوة للمقاومين للفساد .
 
إتضح أن أكثر المسؤولين ممن يقولون ما لايفعلون بل إنّهم أضافوا على كَبُرَ مقتاً أنّهم أكثر المقاتلين شراسة لمن يتقوّل أقوالهم اذ أنّ أفعالهم تسيئ لأقوالهم لذا و صفهم الله أنّهم من صُنّاع اللحن و أنّهم ممن تعجبك أقوالهم وهم ألدّ الخصام و هذه العيّتة من الخطباء مذكورة في كتاب الله كونها تملك إمكانية الإعجاب فتأسر البسطاء و تضعهم حيث مصالح الطغمة الحاكمة و يتحولون من خلال هذا التخدير اللغوي الى حرّاس للسلطة المستبدّة بهم .
 
هذه فئات منتشرة وغير محدودة في صنف من الناس و كما ذكرت هذا ديدن الفنانيين و السياسيين و رجال دين من كل الملل و النحل و المذاهب و هذا ما أكّدته التجربة المعاصرة لا التاريخ و حده و التجربة اللبنانية خير شاهد على ذلك .
في العودة الى الراعي هذا المتحلّي بصفات الكنيسة التي ينتمي إليها و التي تحرص على حياة الرعية لا حياة الملوك و الأمراء لذا من الطبيعي أن ينحاز ممثل الكنيسة للناس المؤمنيين بدولة القانون و المؤسسات وحقوق الإنسان لا بدويلات المزارع التي أثبتت فشلها و عدم إمكانية الإستمرار بها و لو حشدوا لها كل أقوام الإنس و الجن ممن يملكون الذهب الأسود و الأصفر فمن الصعب إستمرار لبنان على ما هو عليه من سلطة دكاكين الطوائف .
 
حبذا لو تقف باقي القيادات الدينية لا مع البطرك الراعي بل مع أنبيائها الذين صلبوا و قتّلوا و ذاقوا الأمرين من سلطات الإستبداد ولم يملّوا من طريق ذات الشوكة و صولاً الى العدالة المقدّسة و التي أرادها الله لعياله وهي لا تتوفر في السلطة القمعية و البوليسية و المستبدّة بل في الأنظمة المدنية التى ترعى مصالح الناس و تأخذ شرعيتها من الناس و تسقط بإسقاط الناس لها لأنها قائمة بإرادتهم لا بإرادة العصا و الدبابة ولغة الوعيد و التهديد و بطرق الإغتيالات و الإعتقالات .