تناولت مجلة فورين أفيرز الأميركية الاحتجاجات المستمرة في العراق لأكثر من ستة أسابيع، ووصفتها بأنها انتفاضة شعبية اتسعت لتصبح أكبر تحد للنظام السياسي منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وفي كثير من النواحي تشكل تهديدا للقيادة أكبر مما يفعله العنف المتمرد لتنظيم الدولة الإسلامية.
 
ورأى ريناد منصور الباحث ومدير مبادرة العراق في منظمة تشاتام هاوس أن حركة الاحتجاج الشبابية الثورية الخالية من أي قيادة قد هزت الطبقة الحاكمة مما أجبر وكلاء السلطة الشيعية والسنية والكردية على تشكيل جبهة موحدة وراء رئيس الوزراء المحاصر عادل عبد المهدي. وقالت إن التحام النخبة السياسية المتفككة ودعمها الموحد لقمع الاحتجاجات يوحي بالعودة إلى الاستبداد وظهور "جمهورية خوف" على غرار تلك التي أقسمت الولايات المتحدة وزعماء العراق الجدد على عدم عودتها أبدا بعد سقوط صدام حسين.
 
وأضاف أن الانتفاضة الحالية تختلف عن أحداث الاضطرابات السابقة في عدة جوانب هامة، أبرزها أن الحركات الاحتجاجية السابقة كانت تدار من قبل أعضاء من النخبة المثقفة والسياسية التي كانت تميل إلى البحث عن تغيير تدريجي، واجتذبت مشاركين من مختلف الفئات العمرية، إلا أن المظاهرات الحالية لا يقودها طرف بعينه أو حركة مثقفة. والأهم من ذلك أنها مدعومة من قبل شريحة شبابية كبيرة من المجتمع لم تشارك بشكل كبير في السياسة.
 
استعادة الكرامة
وأشار الكاتب إلى أن حركة الاحتجاج الحالية ليست فقط عن خدمات أو وظائف أفضل، بل هي تعكس رغبة غير متبلورة وقوية لتغيير جذري، كما أنها تسعى إلى استعادة "الكرامة" لشباب يشعرون أن النظام السياسي الحالي يعاملهم بقسوة وبلا مبالاة. وبعد أن بدأت المظاهرات بدعوات مألوفة من أجل وظائف وخدمات حكومية أفضل، فإنها سرعان ما تحولت إلى رفض كاسح للنظام.
 
ونبه إلى أن عجز الحكومة وحلفائها عن نزع فتيل الثورة المتنامية من خلال وسائل أخرى جعلها تتحول بشكل متزايد إلى العنف، حيث لجأت القوات الحكومية والجماعات المسلحة شبه الحكومية إلى إطلاق الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، وأوقفت وزارة الاتصالات الإنترنت لمنع انتشار الفيديوهات التي تظهر وحشية الدولة، كما استدعت المحاكم قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير قتل المتظاهرين.
 
لكن هذا العنف -كما يقول الكاتب- أجج الغضب في نفوس المتظاهرين الذين صدموا بادئ الأمر بأن الدولة لا تتوانى عن قتلهم أو إلحاق الإعاقة الدائمة بهم، فردوا بتصعيدهم الخاص مطالبين ليس فقط بوظائف وإصلاحات ولكن بنظام سياسي جديد تماما. وختمت بأن المتظاهرين أمامهم طريق صعب لأنه بدلا من الإذعان لهم، أعاد قادة العراق في مرحلة ما بعد صدام أدوات القمع الغليظة للحفاظ على سيطرتهم على السلطة.