بعد أن نصح السيّد حسن نصرالله و بغضب شديد المتظاهرين على عدم إمكانياتهم الشارعية بإسقاط العهد رغم سقوط الحكومة التي كان مطمئناً لعدم سقوطها نعى الزعيم وليد جنبلاط العهد بضميمة الشارع الذي أنهى دور الطبقة السياسية و نصح الرئيس سعد الحريري بعدم ترأس الحكومة المقبلة و تركها لسياسة اللون الواحد في مرحلة تتخبط فيها تيارات العهد.
 
يبدو أن سجال السياسة بين السياسيين إستمراراً لسقوط المرحلة الراهن بكل ما تحمل من معاني رغم مكابرة البعض منهم في التمسّك بالخيارات القديمة لسوء حالهم أو لسوء إدارتهم السياسية و لعدم قدرتهم على إستقبال مرحلة البروز الجديد للقوى النائمة و هذا ما أعاب أحزاب مقاومة الفساد كونها شغلت الناس بملفات تبيّن أنها فارغة و مجرد تهاويل و إبتزازات حكومية و زكزكات طائفية سرعان ما هرب حاملها مما حمل و وقف سريعاً ضدّ القائلين بمحاربة الفاسدين بعيد نزول الناس الى الشارع .
 
هذا الإمتحان الصعب أرهق من لا يجيد مقاومة الفساد بالقدر الذي يجيد فيه حماية الفساد تبعاً لضرورات مصطنعة أو مختلقة لتبربير الأوهام من مخاوف دائمة لا مجال للتخلص منها أو للحدّ منها طالما أن هناك من بنى حضانته الشعبية عليها و بات يكثر منها إذ أن لغات المؤامرات باتت منتشرة في السوق السياسي بحيث أن كل إشارة إدانة أو شكوى ما على رغيف خبز أو تنكة بنزين أو أيّ مادة إستهلاكية هي من قبيل المؤامرة المفتوحة على طائفة و على أحزاب و الآن بات إستخدام مصطلح العهد دلالة قوية على حلف سلطوي يستمد دوره و حضوره منه لذا فغياب العهد غياب أحزاب تنعم بفيء السلطة و مغانم الدولة و كل بحسب حاجته منها .
 
من المؤسف حشد تاريخ من التضحيات و من الامكانيات لدعم شخص لم يسهم بشيء على الإطلاق لا في البطولات ولا في التضحيات بل على العكس فإنّه و تياره على نقيض تام مع مفاهيم أساسية و خاصة مع الكيان الإسرائيلي الذي يسميه بالدولة الجارة حيث يجب حماية أمنها ومع المساعدات الخارجية التي تجعل من أيّ حزب يوفر له مال خارجي عميلاً و ضدّ الدولة. ( كما صرح رئيس تيارالحر أكثر من مرة و نواب التيار كذلك على شاشات التلفزة )
يبدو أن الإمتحان الصعب لقوى التكفير و التهوين و التخوين على مفترق طرق في ظل غضب شعبي ناري في دول حسّاسة لا يمكن تجاهل نتائجها سواء تمّ قمعها بالنار أو البارود أو تمكّنت من الإطاحة برؤوس الفساد تأسيساً لسلطة مختلفة عن السلطويات القائمة بأسماء وهمية و مستعارة لشدّ عصب الناس على عدو هو في سكينة تامة عما يجري في حسابات القائلين برميه وسط البحر.
 
لم يعد الخوف مسيطراً على الناس لذا لن تتمكّنوا من الإستمرار في دفع عجلة الحياة الى الوراء و المغامرة بمكاسب الناس و تنعم قلّة على حساب أكثرية فشعارات الإسكات قد إستنزفت و إستهلكت و ما عادت تغشي عيناً و الموت الذي تحديتم به جبروت الشاه و صدام حسين و المارونية السياسية و انتصرتم عليه هو اليوم المنتصر على ما تمارسوه من جبروت أكثر حدّة من جبروت هؤلاء و أكثر إستخداماً لعنف من أنواع جديدة فيها من الفنون ما لم تخطر على شياطين الأنظمة المستبدة من المحيط الى الخليج .
 
لم تعد القوّة معيار الوجود و  لم تعد العضلة معيار القيادة لقد انتهى زمن العناتر باتت شرعية السلطة بشرعية الرفاهية و الحاجات و الخدمات و بتوفير المدارس و المستشفيات و الماء و الكهرباء و فرص العمل ودعم القطاعات المنتجة و التنمية و المشاركة السياسية لم تعد قائد الى الأبد تسري في الناس و دعوات إغلاق العقول لصالح الملوك و الرؤساء و المرشدين و قادات الأحزاب وتسميات أخرى تقنع حتى العميان .
 
قد تستطيعون البقاء لسنة أو لعشرة سنوات و لكن لا يمكن الإستمرار الى ما لا نهاية بسياسات العنف و القهر و فروض الطاعة خاصة و أنّها كرّست كما الأنظمة السالفة  و التي قام منكم على أطلالها جوعاً لأكثرية ساحفة من الناس و نعيماً لا مثيل له لقلّة من شبكات المصالح من قيادات السلطة . طبعاً لن يتعظ أحد من تجربة التاريخ لأن العقل السلطوي لا يتعظ و لا يعير انتباهاً لتذكرة هنا و أخرى هناك .