لم تكد محطة الـ«أو تي في» تنتهي من مقدمة نشرة أخبارها التي مجّدت فيها موقف قائد الجيش العماد جوزف عون الرافض قطع الطرق، حتى تبدأ وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» حملة على الجيش وقائده، بعد الجلسة النيابية التي لم تعقد، بعد أن شهد وسط بيروت أعنف حملة احتجاجية لمنع الجلسة.
 

لم تكد محطة الـ«أو تي في» تنتهي من مقدمة نشرة أخبارها التي مجّدت فيها موقف قائد الجيش العماد جوزف عون الرافض قطع الطرق، حتى تبدأ وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» حملة على الجيش وقائده، بعد الجلسة النيابية التي لم تعقد، بعد أن شهد وسط بيروت أعنف حملة احتجاجية لمنع الجلسة.
الحملة التي شنّت على المؤسسة العسكرية شارك فيها نواب ووسائل إعلام وتسريبات عن مراجع سياسية، هدفت الى تحويله «كبش محرقة» للأزمة التي لم يكن مسؤولاً عنها، ويمكن حسب أوساط مطلعة تلخيص أسباب هذه الحملة، كما الحملات السابقة بالآتي:

أولاً: تريد الطبقة السياسية من الجيش ان يتخطى مهمته الأساسية في حفظ الأمن وحماية المواطنين والمؤسسات العامة، الى مهمة ليست له وليس مهيّأ أو راغباً في القيام بها، وهي مهمة قمع الانتفاضة الشعبية، وإزالة الاعتصامات، واستعمال الرصاص والعنف لوقف التظاهرات، ولم تتقبل هذه الطبقة قرار الجيش بعدم سقوط الدماء، وبمعالجة الوضع المستمر تفاقماً، بسياسة الحكمة لئلّا تذهب الانتفاضة الى مكان آخر، ويأتي انتقاد الجيش في هذا الاطار، اذ كان يراد منه إقفال بيروت كي تعقد الجلسة بما يشبه منع التجوّل الشامل، وبما يشبه فرض حالة طوارئ مؤقتة، وهذا ما لم يكن ممكناً لا ميدانياً ولا لوجستياً، ومن يعرف الحد الأدنى في التفاصيل اللوجستية، يدرك استحالة تنفيذ هذا الأمر.

ثانياً: إنّ التذرع بالوضع الامني لعدم انعقاد الجلسة هو مجرد ذريعة، فالنواب وصلوا الى المجلس النيابي ولو بصعوبة، ومنهم من نام في المجلس، ومنهم من أتى الخامسة صباحاً، لكن كل ذلك كان مجرد تفصيل، لأنّ الجلسة لم تعقد بسبب فقدان النصاب القانوني السياسي وليس لعدم القدرة على الحضور، فالكتل الاساسية لم تحضر، وكانت قررت عدم الحضور قبل ليلة من الجلسة، قرارها سياسي يعود الى الخشية من تحدي الانتفاضة، وأبرز هذه الكتل كتلة الاشتراكي المقرّبة من الرئيس نبيه بري، وكتلة «المستقبل»، وهذا كله يضع أسباب عدم انعقاد الجلسة في الخانة الصحيحة بعيداً عن محاولات إلقاء المسؤولية على الاجراءات العسكرية والامنية التي نفّذت بحذافيرها.

ثالثاً: إنّ الجيش يتلقى الحملات عليه يمنة ويسرة، لكنه بحكم المسؤولية الملقاة عليه لا يلتفت يمنة ولا يسرة، بل ينفذ مهمته، كما يفترض في زمن الاحداث الكبرى، فعندما تحدث قائده عن رفض إقفال الطرق، إنما كان يتحدث في صلب هذه المهمة التي تفترض منع الوصول الى العنف، والحفاظ على الاستقرار في بيئة مضطربة، لا يجوز فيها الركون الى هذه الاجندة او تلك، وصحيح انّ منع إقفال الطرق فسّر على أنه تحول في موقف المؤسسة العسكرية مما يجري وواجهته انتقادات كثيرة، لكنّ الأكثر صحة انّ ادارة الازمة بحكمة وبعقل بارد لا تحتمل التأثر بالتهويل الاعلامي والسياسي من أي طرف أتى، وهذه الادارة لا تحتاج الى من يعطي الدروس، لأنّ الواقع الميداني وحده من يملي طبيعة القرارات المتخذة التي تنفذها وحدات الجيش بنسبة انضباط عالية، وهو ما وفّر سقوط الدماء إلّا في حالتين أحيلتا الى القضاء المختص.

الواضح انّ المؤسسة العسكرية مستمرة منذ شهر والى اليوم، بسياسة احتواء الازمة ومنع تحويلها مواجهة بين الشعب والجيش، والتعامل مع الشغب بطريقة مختلفة عن التعامل مع التظاهرات الشعبية، وهذه السياسة تنتظر الحل السياسي للأزمة المتمثّل بتشكيل الحكومة وبدء طرح الحلول الجذرية. وسوى ذلك فإنّ أي حل أمني أو قمعي لن يكون العلاج المناسب، وهو غير مطروح على الطاولة، لأنه فضلاً عن عقمه، سيكون المدخل الى هزّ الاستقرار وتعميم الفوضى.