الكاتب: صونيا رزق
 
ذكرى 22 تشرين الثاني هذا العام مغايرة جداً، لانها اتت على وقع الانتفاضات الشعبية في معظم المناطق اللبنانية، التي تطالب بإستقلال من نوع آخر، عنوانه مواجهة الافرقاء السياسيّين وإخراجهم من الحياة السياسية، مع كل ما يحمله معظمهم من اتهامات بالفساد والهدر وسرقة المال العام، التي اوصلت البلد الى كوارث لم يعد لبنان قادراً على التصدّي لها. لذا وعلى الرغم من تبدّل معاني هذه الذكرى اليوم، لكنها بالتأكيد لن تلغي ذلك التاريخ من العام 1943 حين بدا لبنان مستقلاً ضمن حدود معترف بها دولياً، حين كانت المطالبة اولاً بإستقلال لبنان وإخراجه من مرحلة الانتداب الفرنسي، لكن وعلى مّر الازمان عانى اللبنانيون من مواجهة المتربصين بوطنهم ومن الطامعين فيه، ما جعل هذا اليوم يتراجع ليصبح وهماً في ظل حروب الاخرين على ارضه، وبالتالي من خلال الوصاية والاحتلال اللذين عايشهما لبنان لفترة عقود من الزمن.
 
وفي هذا الاطار تعتبر مصادر سياسية عتيقة في مهنة السياسة، أننا عايشنا لغاية اليوم ستة وسبعين عاماً من عمر الاستقلال المزيف، بحيث إمتدت عقود زمنية لم تتخللها صفحات من الاستقرار، لا بل من الخوف والقلق على المصير. فبعد كل الحقبات والمحطات التي عايشها لبنان وشعبه لم نشعر في اي يوم ان بلدنا مستقل، اذ وبعد مضي كل تلك السنوات ما زال التحكّم بلبنان قائماً من قبل قوى خارجية تنهش بالوطن وبأبنائه، وهذه القوى تمثلت بالوصاية السورية وبالاحتلال الاسرائيلي، ووصاية قوى اقليمية وأوامر سفراء يطّلعون على كل شاردة وواردة، في حين ان ركائز الاستقلال تبدأ بالتحرّر من كل انواع الانتداب والوصاية والاحتلال، وتاريخ لبنان شاهد على كل هذا نظراً للحروب التي إفتعلتها القوى الخارجية على ارضه، تحت عنوان "الحرب الاهلية"، فيما كانت في الحقيقة حروب الاخرين على ارضنا، وإستعمال هذه الارض كساحات تصفية دفع ثمنها لبنان وشعبه.
 
وترى هذه المصادر بأن طعم الاستقلال اليوم مختلف بالتأكيد، لانه يحوي مطالب اخرى مرتكزة على التحرّر من الطاقم السياسي بمجمله، أي من عبودية الزعيم ومصالحه الخاصة، والانطلاق نحو تحقيق مصالح الوطن على ايدي منتفضيه الثائرين، معتبرة بأنها 22 تشرين الثاني 2019 هو الاستقلال الحقيقي الفعلي.
 
وعلى خط الرسمي، وتحديداً مصادر قصر بعبدا، فتشير الى عدم وجود احتفال بالمناسبة في جادة شفيق الوزان بوسط بيروت، كما جرت العادة كل سنة، لان الامر سيقتصر على عرض عسكري رمزي في ساحة وزارة الدفاع يوم الجمعة، في حضور الرؤساء الثلاثة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري.
 
اما الاحتفال الاخر، فسوف يكون شعبياً دعا اليه القيّمون على الثورة تحت عنوان "كلنا يعني كلنا " ضمن إطار نشاط سلمي بتنظيم من الشعب، وفي هذا الإطار، تنقل مصادرهم بأن العرض المدني سيكون في ساحة الشهداء عند الساعة الثانية من بعد ظهر الجمعة، وسيضمّ العديد من الافواج التي تمثل مختلف المناطق والقطاعات، على ان تتجمّع هذه الافواج على الخط الساحلي ظهراً، وتسير في إتجاه المنصّة في ساحة الشهداء على وقع النشيد اللبناني والاغاني الثورية، مع يافطات تحملها الافواج المدنية للتعبيرعن ذكرى الاستقلال والمطالبة بحقوق الشعب.
 
كما دعت مصادر القيّمين على الاحتفال، كل اللبنانيّين للمشاركة بكثافة في هذا اليوم التاريخي من عمر الوطن، لانه حدث إستثنائي جامع لكل الشعب، سيشمل ايضاً بعض المغتربين الذين سيصلون الجمعة الى لبنان للمشاركة فور وصولهم مباشرة من المطار الى ساحة الشهداء، للتأكيد على انهم لم ينسوا لبنان لا بل سيشاركون في انتفاضته الشعبية، مما يؤكد وجود معنى مختلف للذكرى سيُحييها الشعب رسمياً هذه المرة.