تساءل جميل معوض، المحاضر في العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، عن النظام الذي يريد اللبنانيون إسقاطه بعد شهر من الاحتجاجات التي عمت البلاد بسبب قرار حكومي بفرض ضرائب على تطبيق واتساب، وتحولت إلى انتفاضة شعبية لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان الحديث.
 
ولفت معوض في مقاله بموقع "ميدل إيست آي" إلى أن السلطة في لبنان ليست مركزة في شخص أو مؤسسة واحدة، وأن هذا ما يجعل الأمر أصعب لتحديد النظام. ورأى أن فرض ضرائب على خدمة مجانية هو مثال توضيحي على طريقة عمل السياسة في لبنان بعد الحرب، تبيع فيه الطبقة الحاكمة للمواطنين ما هو حق لهم، وفي الوقت نفسه تثري نفسها وتفقر المواطنين العاديين.
 
وأوضح الكاتب أن هذا ما تظهره الدراسات فعليا بأن 28% من اللبنانيين فقراء جدا، و8% يعيشون فقرا مدقعا، في حين يحصل ما بين 1 و10% من السكان البالغين على ما بين 25 و55% من الناتج القومي في المتوسط.
 
وبعبارة أخرى، يقول الكاتب إن هذه احتجاجات اجتماعية بامتياز استولى فيها المتظاهرون على الشوارع تعبيرا عن مظالمهم، سواء كانت فردية أو جماعية أو الاثنين معا.
 
ويرى الكاتب أن ما يجعل الاحتجاجات المستمرة فريدة هو أنها اندلعت بعد تبلور ثلاث أزمات: أزمة الدولة العامة، وأزمة الطبقة الحاكمة، وأزمة المجتمع.
 
وانتقد ما وصفه باستيلاء الطبقة الحاكمة على مؤسسات الدولة عندما قامت بدور توزيعي بالاستيلاء على المجتمع أيضا من خلال شبكات المحسوبية والحظوة، ولذلك أصبحت الدولة منفصلة على الحياة اليومية للشعب اللبناني ولم تُبلور كمصدر للعدالة للمواطن العادي.
 
شبكات المحسوبية
ويضيف أن الطبقة الحاكمة في أزمة أيضا لأنها وجدت نفسها تتصارع في العامين الماضيين، وبسبب الاضطرابات الإقليمية كان هناك استنزاف للموارد الإقليمية التي كانت تغذي تاريخيا شبكات المحسوبية للطبقة الحاكمة. وهذه الأزمات الثلاث مجتمعة أدت إلى خروج الناس للشوارع والدعوة لتغيير النظام من بين مطالبات أخرى مثل استقالة الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية.
 
وألمح معوض إلى أنه بخلاف ما حدث في بعض الدول العربية التي أطاحت بأنظمتها، واحدا تلو الآخر، خلال الموجة الأولى للربيع العربي، فإن السلطة في لبنان لا تتركز في شخص أو مؤسسة؛ مما يجعل من الصعب تحديد النظام، وربما الأهم من ذلك مقاومته.
 
وأشار إلى وجود ثلاث ركائز هي التي تحدد النظام منذ بلورته في لبنان بعد الحرب: الأولى هي الهيمنة والسيطرة على الخيال، والركيزة الثانية هي العنف، والثالثة هي السيطرة على رأس المال.

وقال إن اللبنانيين منذ بداية الاحتجاجات نجحوا في زعزعة الركيزة الأولى للنظام، وهي أيديولوجيته، حيث يتخيلون اليوم مستقبلهم خارج عالم الزعيم، ويتصرفون وفقا لذلك من خلال المطالبة بالدولة كمصدر للعدالة، وهذه الفكرة هي التي تسود حيث يطالب اللبنانيون بالحقوق الأساسية التي لم يمنحها لهم النظام. وهكذا تم إحياء فكرة المحاسبة.

وختم الكاتب مقاله بأن الطريق لتغيير النظام لا يزال طويلا جدا، وأن هناك حاجة لتوجيه المطالب من الشارع إلى الهياكل والنقابات (القديمة أو الناشئة حديثا)، والأهم من ذلك عدم الوقوع في فخ الركيزة الثانية للنظام، وهي العنف، وأن المقاومة والتمسك المجتمعي وحدهما هما القادران على منح الثورة الحصانة التي تحتاجها لعدم الوقوع في فخ النظام.