الاتهامات المتبادلة بين المستقبل والتيار الوطني الحر تثير الخشية من استمرار أزمة تشكيل حكومة لبنانية في ظل وضع اقتصادي لا يحتمل المزيد من التأجيل.
 
عادت الأزمة السياسية في لبنان إلى المربع الأول على خلفية إعلان وزير المالية السابق محمد الصفدي قرار سحب ترشيحه لرئاسة الوزراء، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بحكومة تكنوقراط بعيدا عن مؤثثي السلطة الحالية.
 
ويتقاذف كل من  تيار المستقبل والتيار الوطني الحر المسؤولية عن حالة الانسداد الحاصلة، و”حرق” أسماء بينها الصفدي لأجندات سياسية ضيقة، وفي المقابل يسجّل صمت من باقي الأطراف، ومنها حزب الله وحركة أمل اللذان فشلت محاولاتهما في خلخلة الوضع ولم يعد بمقدورهما التحكم فيه، في حين تتفاقم أزمة السيولة النقدية، حيث خسر المصرف المركزي عشرة مليارات دولار خلال ستة أشهر.
 
وسحب وزير المال اللبناني السابق محمد الصفدي في وقت متأخر من مساء السبت اسمه كأحد المرشحين لرئاسة الحكومة قائلا، “من الصعب تشكيل حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الأفرقاء السياسيين”.
 
وكان الصفدي أول مرشح بدا أنه يحظى ببعض الإجماع بين الأحزاب والطوائف اللبنانية منذ استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء في 29 أكتوبر تحت ضغط احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة.
 
ورفض رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الاتهامات الموجهة إليه من قبل التيار الوطني الحر، والتي تحمّله مسؤولية انسحاب الصفدي.
 
وقال بيان صادر عن مكتب الحريري، الأحد، “منذ أن طلب الوزير السابق محمد الصفدي سحب اسمه كمرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، يمعن التيار الوطني الحر، في تحميل الرئيس سعد الحريري مسؤولية هذا الانسحاب، بحجة تراجعه عن وعود قطعها للوزير الصفدي وبتهمة أن هذا الترشيح لم يكن إلا مناورة مزعومة لحصر إمكانية تشكيل الحكومة بشخص الرئيس الحريري”.

وأوضح البيان أن “جبران باسيل هو من اقترح، وبإصرار، مرتين اسم الوزير الصفدي، وهو ما سارع الرئيس الحريري إلى إبداء موافقته عليه، بعد أن كانت اقتراحات الرئيس الحريري بأسماء من المجتمع المدني، وعلى رأسها القاضي نواف سلام، قد قوبلت بالرفض المتكرر أيضا. ولا غرابة في موافقة الرئيس الحريري على ترشيح الوزير الصفدي الذي يعرف القاصي والداني الصداقة التي تجمعه به والتي جرت ترجمتها في غير مناسبة سياسية”.

واعتبر “أن سياسة المناورة والتسريبات ومحاولة تسجيل النقاط التي ينتهجها التيار الوطني الحر هي سياسة غير مسؤولة مقارنة بالأزمة الوطنية الكبرى التي يجتازها بلدنا، وهو لو قام بمراجعة حقيقية لكان كفّ عن انتهاج مثل هذه السياسة عديمة المسؤولية ومحاولاته المتكررة للتسلل إلى التشكيلات الحكومية، ولكانت الحكومة قد تشكلت وبدأت بمعالجة الأزمة الوطنية والاقتصادية الخطيرة، وربما لما كان بلدنا قد وصل إلى ما هو عليه أساسا”.

وكان الحريري قد ربط تكليفه مجددا بتشكيل حكومة بجملة من الشروط من بينها خروج الأصوات النافرة في إشارة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي يتولى حاليا حقيبة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال.

وردّ التيار الوطني الحر على بيان الحريري بالقول، “أصبح  واضحا أن  سياسة الرئيس الحريري لا تقوم فقط  على مبدأ ‘أنا أو لا أحد’ على رأس الحكومة، بل زاد عليها مبدأ آخر  وهو “أنا  ولا أحد” غيري في الحكومة، وذلك بدليل إصراره على أن يترأس هو حكومة الاختصاصيين.

ودعا التيار الوطني الحر الحريري إلى “التعالي عن أي خصام سياسي، خاصة وأنه يفتعله معنا على قاعدة ‘ضربني وبكى، سبقني واشتكى’، فقد ‘فعل فعلته وسارع إلى الإعلام’، ولذا ندعوه أن يلاقينا في الجهود للاتفاق على رئيس حكومة جامع لكل اللبنانيين”.

ويثير هذا الكباش الحاصل بين المستقبل والتيار الوطني الحر الخشية من استمرار الأزمة، في ظل وضع اقتصادي لا يحتمل المزيد من التأجيل. وقال مصدر سياسي كبير، “وصلنا إلى طريق مسدود الآن. لا أعرف متى ستنفرج الأوضاع ثانية. الأمر ليس سهلا… والوضع المالي لا يتحمل”. ووصف مصدر سياسي ثان جهود تشكيل حكومة جديدة بأنها عادت إلى نقطة الصفر”.

وعلى قاعدة “اشتدي أزمة تنفرجي” اعتبرت أوساط أخرى متابعة أن فرص الخروج باتفاق تبقى واردة، خاصة مع قناعة متزايدة حتى لدى التيار العوني بأنه لا مناص من القبول بالحريري رئيسا للوزراء، في ظل اعتكاف باقي المرشحين المفترضين عن القيام بهذه الخطوة، بالنظر إلى ما آل إليه الوضع مع الصفدي.

ويذكر مصدر مطلع أن لا أحد في الخارج، بما في ذلك الولايات المتحدة، يريد التدخل بجدية لوقف مسلسل الانهيارات في لبنان، لكن واشنطن تأمل في أن تنجح الانتفاضة في فرض حكومة خالية من حزب الله.